في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالمواطنين، وتفاقم الأوضاع المعيشية بصورة غير مسبوقة، تتسارع خطوات الحكومة في اتخاذ قرارات تظاهريّة لامتصاص غضب الشارع المصري، حيث تلوح في الأفق حزمة جديدة من الإنفاق الاجتماعي لمجابهة موجات التضخم القاتلة التي تلتهم دخل الأسرة المصرية في 2025.
هذه الحزمة التي تسعى الحكومة لعرضها على الرئيس بنهاية هذا الشهر، ستُقدم لاحقًا للبرلمان بغية إقرارها في وقت حساس للغاية. لكن هل هي فعلاً الحل المطلوب أم مجرد محاولة يائسة لتهدئة الفتيل المشتعل؟
زيادة الأجور والمعاشات: تحسينات على الورق لا تسمن من جوع
وفقًا لمصادر رفيعة المستوى في وزارة المالية، فإن الحزمة الجديدة ستتضمن زيادات تتراوح بين رفع الأجور والمعاشات، وهي تحركات تهدف كما يدّعون إلى تخفيف الأعباء التضخمية.
لكن الواقع يتحدث عن معادلة معقدة تظل تعاني من فجوة ضخمة بين قيمة الزيادة وارتفاع تكاليف المعيشة التي لا تتوقف عن الارتفاع يومًا بعد يوم. الزيادة المقترحة على المعاشات ستكون بنسبة 13% ابتداءً من مارس المقبل، بينما سيُرفع الحد الأدنى للأجور بمقدار ألف جنيه ليصبح 7 آلاف جنيه.
ولكن هل يكفي هذا الرقم لمواجهة زيادة الأسعار الجنونية؟ في الواقع، تبدو الزيادة في المعاشات والأجور ضعيفة أمام الهجمات المتواصلة على القوة الشرائية للمواطنين، فتكاليف المعيشة أصبحت تبتلع هذه الزيادة خلال أسابيع قليلة.
بينما يتحدث المسؤولون عن ضم أكثر من 100 ألف أسرة جديدة إلى برنامج “تكافل وكرامة”، يبقى السؤال الأهم: هل هذا يعني أن الدعم سيتزايد بما يكفي لتغطية فجوة الفقر التي يعاني منها ملايين المصريين؟
تكافل وكرامة: أرقام ومكاسب وهمية
برنامج “تكافل وكرامة”، الذي يدّعي الكثيرون أنه بمثابة طوق النجاة للأسر الأكثر فقرًا، سيشهد أيضًا زيادة بنسبة 15% في قيمته، وفقًا للخطط الحكومية.
لكن، هل من المنطقي أن يُضاف مبلغ شهري يقدر بـ736 جنيهًا للأسرة كمعاش تكافل؟ لا شك أن هذا المبلغ لا يساوي حتى نصف متطلبات أسرة واحدة من السلع الأساسية، فكيف إذا كانت هذه الأسر قد تكبدت نفقات مضاعفة في ظل التضخم الهائل؟
أما بالنسبة لمخصصات المنحة الشهرية المخصصة للأطفال في الأسر المستفيدة، والتي تتراوح بين 75 إلى 125 جنيهًا، فهي بالكاد تغطي جزءًا من تكاليف التعليم أو الاحتياجات اليومية.
فهل يعقل أن تكون هذه الزيادة مجرد محاولة للظهور بمظهر الراعي الاجتماعي في وقت يكاد فيه المواطن المصري أن ينهار تحت وطأة الظروف الاقتصادية؟
مشروعات وتدابير جديدة: مخطط لتعميق الأزمة أو حل جزئي؟
وفي سياق التخفيف من وطأة الأزمة، تستعد الحكومة لإطلاق مجموعة من المبادرات الاقتصادية في مطلع 2025. هذه المبادرات تتضمن تقديم قروض ميسرة للمواطنين بأسعار فائدة منخفضة، وهي خطوة يمكن اعتبارها محاولة لاسترضاء الفقراء، لكن القروض لا يمكن أن تكون الحل، بل قد تتحول إلى عبء إضافي على كاهل الأسر التي تدور في حلقة مفرغة من الديون.
ومن ضمن هذه المبادرات، هنالك الدعم المالي المستهدف لعدد من القطاعات الاقتصادية، وخاصة قطاع السياحة، حيث تأمل الحكومة في زيادة فرص العمل فيه. لكن أي فرص عمل هذه التي يتحدثون عنها؟ هل يعقل أن يواجه المواطن المصري أزمة غلاء الأسعار مع البطالة، ليعود مرة أخرى إلى سوق عمل يعاني من تراجع حاد في الفرص؟
الحماية الاجتماعية: موازنة مشكوك في فعاليتها
من جهة أخرى، يبدو أن الحكومة ستعزز من مخصصات برامج الحماية الاجتماعية في الموازنة الجديدة، وهو أمر قد يكون ذا فائدة قصيرة المدى، ولكن بالنظر إلى فجوة الاحتياجات، فإن هذه الزيادة في المخصصات المالية قد تكون غير كافية لدعم المواطنين الذين يعانون من تبعات السنوات العجاف.
وتبقى الحقيقة المرة هي أن القرارات الحكومية رغم تبدو كأنها محاولات للترقيع، لا تقدم حلولاً جذرية بل تسهم في تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
فحتى لو نجحت الحكومة في تنفيذ هذه الحزمة الجديدة، فإن الآثار السلبية على المدى الطويل لن تكون خافية على أحد، وستظل المعاناة متواصلة.
الأزمة الاقتصادية واللعب على وتر الضغوط الشعبية
ويظل السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل الحكومة قادرة فعلاً على إحداث تغيير جذري في الوضع المعيشي للمواطن المصري، أم أن ما نراه مجرد مسكنات تهدف لتخفيف الضغط في مرحلة معينة دون النظر إلى الحلول طويلة الأمد؟
الواقع يشير إلى أن التضخم سيكون حليفًا دائمًا لهذه الحزمة، وأن الوعود التي تطلقها الحكومة ستظل مجرد أرقام على الورق ما لم تتبعها خطوات حقيقية على الأرض.
في هذه الظروف العصيبة، يبقى المواطن المصري وحده من يتحمل تبعات هذه القرارات، التي تظل تسير في دائرة مفرغة من التأثيرات السلبية التي تزداد يومًا بعد يوم.