تستعد الحكومة المصرية لتنفيذ خطة جائرة تهدد بانتزاع ممتلكات المواطنين دون تعويضات واضحة أو ضمانات عادلة وتأتي هذه الخطوة الصادمة التي يتم التخطيط لها خلف الأبواب المغلقة بتوجيهات مباشرة لبدء نزع ملكية شاليهات شاطئ عجيبة بمطروح مع بداية يناير المقبل
ويكشف هذا القرار عن تقاعس حكومي واضح في حماية حقوق المواطنين ويفتح الباب أمام فساد متجذر في إدارة الدولة ومواردها
القرار الذي جاء في خطاب رسمي يطالب ببدء إجراءات نزع الملكية وبناء أسوار حول الشاليهات يعكس النهج المتعسف الذي تتبعه الحكومة في تنفيذ سياساتها الاقتصادية دون أي اهتمام بحقوق المواطنين أو ممتلكاتهم الخاصة حيث أن الملاك الذين اشتروا شاليهاتهم منذ أكثر من ثلاثة عقود يواجهون الآن خطر فقدانها لصالح مستثمرين دون أن تتاح لهم الفرصة لمعرفة مصير ممتلكاتهم أو تلقي تعويضات مناسبة
في عام 1982 قام المواطنون بشراء شاليهات بمساحة 93 مترًا مربعًا بتكلفة 28 ألف جنيه ورغم مرور أربع سنوات على شرائها رفضت الدولة تسجيل العقود بحجة أن الأرض غير مخصصة للبناء مما أجبر الملاك على قبول اتفاق غير عادل يقضي بملكية المباني فقط مع دفع 120 جنيهًا سنويًا كحق انتفاع عن الأرض وعلى الرغم من تلك الترتيبات التي استمرت لعقود أصدرت الحكومة في عام 2020 قرارًا مفاجئًا وغير قانوني برفع قيمة حق الانتفاع إلى 183 ألف جنيه سنويًا وهو ما يعد تضخيمًا صارخًا وغير مبرر للرسوم
لم تتوقف التجاوزات عند هذا الحد حيث اضطر الملاك للجوء إلى القضاء لحماية حقوقهم إلا أن محكمة الدولة العليا أقرت بأحقية الحكومة في فرض هذه الرسوم الباهظة ضاربة بعرض الحائط نصوص القانون المدني التي تؤكد أن العقود لا يمكن تعديلها إلا بموافقة جميع الأطراف وبالرغم من ذلك استمر الملاك في مواجهة تعسف الدولة التي لم تتراجع عن مساعيها لمضاعفة الموارد المالية على حسابهم
وفي محاولة أخرى للضغط على الملاك اضطرت الحكومة إلى إصدار قانون للتصالح مع مخالفات البناء عام 2023 ما دفع الملاك إلى سداد رسوم تصالح بلغت 2000 جنيه عن كل متر مربع في خطوة جديدة تظهر أن الدولة لا تتردد في استغلال الأوضاع القانونية لصالحها بينما تظل حقوق المواطنين في طي الإهمال واللامبالاة
كل هذه الإجراءات لم تتم بشفافية بل على العكس تمامًا حيث يتناقل الملاك معلومات عن نزع الملكية بشكل غير رسمي وبدون أن يتم إبلاغهم بأي جدول زمني للإخلاء أو قيمة التعويضات المحتملة مما يعكس مستوى غير مسبوق من الإهمال الحكومي ويفتح المجال للشائعات حول مصير هذه الأراضي التي يعتقد الكثيرون أنها ستُباع لمستثمرين أجانب الأمر الذي يؤكد أن هدف الحكومة الرئيسي ليس التطوير أو تحسين المنطقة بل تسليمها لمن يدفع أكثر بغض النظر عن الأضرار التي تلحق بالمواطنين
منذ عام 2016 ومع انعقاد المؤتمر الاقتصادي في مطروح بدأت تظهر بوضوح النية الحقيقية وراء هذه التحركات حيث تكاثرت الأقاويل عن اتفاقات غير معلنة بين الدولة ومستثمرين لبيع الأراضي وكان من اللافت للنظر أن بعض المستثمرين قد زاروا المنطقة برفقة حراسة أمنية مما أثار تساؤلات حول مدى جدية الحكومة في الحفاظ على حقوق المواطنين أو حتى إعلامهم بالمخططات التي تؤثر على ممتلكاتهم
في هذا السياق تبدو الحكومة وكأنها تعمل لصالح مصالح خاصة دون أي اعتبار للعدالة الاجتماعية أو القوانين التي يفترض أن تحمي حقوق المواطنين ويتجلى الفساد في أوضح صوره من خلال القرارات التعسفية التي تتخذها الحكومة والتي تصب جميعها في خدمة مستثمرين أجانب على حساب المواطنين المصريين الذين لا حول لهم ولا قوة
كما أن الحكومة تجاهلت جميع محاولات الملاك للدفاع عن حقوقهم متجاهلة حقهم في التعويض العادل أو التفاوض حول مصير ممتلكاتهم التي استثمروها على مدار سنوات طويلة بدلًا من الحوار المفتوح مع المتضررين اعتمدت الحكومة على فرض الأمر الواقع بالقوة والقوانين المجحفة دون أي استجابة لمطالب الملاك الذين باتوا في مواجهة تهديد حقيقي بفقدان كل ما يملكونه
العديد من التساؤلات تطرح نفسها حول الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار خاصة وأن الحكومة لم تقدم أي تفسير واضح سوى الحديث عن تطوير المنطقة وهي الحجة التي غالبًا ما تستخدم لتمرير قرارات تضر بالمواطنين وتصب في مصلحة المستثمرين
اللافت للنظر أن كل هذه التحركات تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمات حادة وبدلًا من أن تسعى الحكومة إلى حل هذه الأزمات من خلال تحسين البنية التحتية وتوفير فرص العمل للمصريين نجدها تنزع أراضي المواطنين وتسلمها للمستثمرين الأجانب دون أن تقدم أي ضمانات للملاك أو حتى خطة واضحة للتعويضات التي يستحقونها
ومع أن الحكومة تتحدث دائمًا عن الإصلاح الاقتصادي والتطوير إلا أن هذه القرارات تكشف عن تناقض واضح بين ما تقوله وما تفعله ففي الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى خطوات حقيقية نحو العدالة والتنمية نجد أن ما يحدث على أرض الواقع هو سلسلة من القرارات التي تضر بالمواطنين وتجعلهم يشعرون بأنهم مجرد ضحايا لسياسات فاشلة وقرارات عشوائية
إن ما يحدث في شاطئ عجيبة ليس مجرد قضية محلية بل هو مؤشر على نهج عام تتبعه الحكومة في إدارة موارد الدولة وممتلكاتها حيث يظهر بشكل جلي كيف يمكن أن تتحول حقوق المواطنين إلى ضحية لمصالح خاصة وكيف أن الفساد وسوء الإدارة قد تسببا في تحويل حياة المواطنين إلى جحيم
العديد من الملاك عبروا عن استيائهم من هذا الوضع الذي باتوا يعيشونه مشيرين إلى أن الحكومة لا تكتفي بتجاهل مطالبهم بل إنها تتخذ قرارات جائرة دون تقديم أي حلول عادلة أو حتى منحهم فرصة للتفاوض والتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف
كما أن هذه السياسات التعسفية تجعل المواطنين يشعرون بأنهم لا قيمة لهم في نظر الحكومة التي يبدو أنها مهتمة فقط بمصالح المستثمرين الأجانب على حساب حقوق الشعب المصري ولا شك أن هذا الوضع يهدد بتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد ويزيد من شعور المواطنين بالظلم والإقصاء
ولعل أكثر ما يثير القلق هو أن هذه السياسات لا تبدو أنها ستتوقف عند هذا الحد بل من المرجح أن تستمر الحكومة في اتباع نفس النهج في أماكن أخرى من البلاد حيث يتم تسليم الأراضي والممتلكات العامة والخاصة للمستثمرين دون أي اعتبار لحقوق المواطنين
ويتضح أن قضية شاليهات شاطئ عجيبة تمثل نموذجًا صارخًا لكيفية تعامل الدولة مع حقوق المواطنين حيث يتم التعامل معهم وكأنهم عبء يجب التخلص منه في سبيل تحقيق مكاسب اقتصادية قصيرة الأجل وتأتي هذه الخطوة في سياق أوسع يعكس تدهورًا كبيرًا في إدارة شؤون البلاد سواء من حيث التخطيط العمراني أو من حيث احترام القوانين التي تحمي حقوق الأفراد
يجب على الحكومة أن تعي أن المواطنين ليسوا مجرد أرقام أو قطع أراضٍ يمكن التصرف فيها كما تشاء بل هم عماد هذه البلاد ويجب أن تكون حقوقهم ومصالحهم في مقدمة الأولويات