تقاريرمصر

قانون المسؤولية الطبية: سيف مسلط على رقاب الأطباء والمنظومة الصحية

في قرار كارثي يهدد مستقبل مهنة الطب في مصر، تمسكت الحكومة برفضها التام لإلغاء عقوبة الحبس التي نص عليها مشروع قانون المسؤولية الطبية رغم الاعتراضات الصارخة من نقابة الأطباء وكافة المعنيين بالقطاع الطبي.

الحكومة أعلنت عن تمسكها بالمادة 27 من المشروع التي تفرض حبس الأطباء في حال ارتكابهم أخطاء طبية، مؤكدًا أن الحبس ليس هو الحل الوحيد، بل إن هناك غرامات مالية ضخمة قد تُفرض، وهو ما أثار مزيدًا من الغضب والدهشة بين الأطباء.

وفي محاولة لتهدئة الأجواء، خرج وزير الشؤون النيابية محمود فوزي بتصريحات مثيرة للجدل، محاولًا التقليل من خطورة هذه العقوبات.

فوزي أكد أن النص على الحبس في القانون لا يعني بالضرورة تطبيقه، وأن القضاة يملكون القدرة على اختيار العقوبات المناسبة، من بينها الغرامات المالية المرهقة.

ولكن في واقع الأمر، يبدو أن هذه التصريحات لا تعدو كونها محاولة فاشلة لتبرير عقوبات غير منطقية قد تشعل حربًا بين الحكومة والمجتمع الطبي.

مشروع قانون مسؤولية طبية: سجن الأطباء في حالة الخطأ البسيط

النصوص الواردة في مشروع قانون المسؤولية الطبية لا تترك مجالًا للتفسير؛ فهي تضع الأطباء تحت طائلة المحاسبة القانونية حتى في حالات الأخطاء البسيطة.

القانون ينص على معاقبة الأطباء بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر مع غرامة تصل إلى 100 ألف جنيه في حال تسبّب الطبيب في وفاة مريض نتيجة خطأ طبي.

أما في حال كان الخطأ جسيمًا، أو إذا كان الطبيب تحت تأثير المخدرات أو الكحول، فالعقوبة تصل إلى السجن من سنة إلى خمس سنوات مع غرامات تصل إلى 500 ألف جنيه.

هذا المشروع الذي يُفترض أنه يسعى لتحقيق العدالة والشفافية في تقديم الخدمة الطبية، في الواقع لا يعكس إلا استهتارًا تامًا بمهنة الطب وتاريخها الطويل من الخدمة العامة.

الحكومة بدلًا من أن تدعم الأطباء وتضمن لهم بيئة عمل آمنة، تختار أن تضعهم في مواجهة مع سلاح قانوني قد يُدمّر مستقبلهم المهني والشخصي.

موقف نقابة الأطباء: حرب مفتوحة ضد قانون كارثي

نقابة الأطباء كانت أول من حذّر من الكارثة التي قد يترتب عليها هذا القانون، محذرة من أن مشروع القانون قد يتحول إلى سيف مسلط على رقاب الأطباء.

النقابة أكدت أن فرض الحبس على الأطباء في قضايا الأخطاء الطبية يتناقض مع طبيعة العمل الطبي الذي يتسم بالتحديات اليومية والأخطاء غير المتوقعة.

النقابة تطالب بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في هذه القضايا، واستبدالها بتعويضات مالية، كما هو الحال في معظم دول العالم، خاصة دول الخليج التي يعمل بها العديد من الأطباء المصريين.

الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء، أكد في تصريحات صحفية أن هذا القانون سيؤدي إلى كارثة حقيقية في النظام الطبي المصري،

حيث سيجعل الأطباء أكثر حرصًا على اتخاذ خطوات دفاعية خوفًا من المحاسبة القانونية، مما سيؤثر بشكل كبير على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى.

كما حذر الزيات من أن القانون سيزيد من الهجرة الجماعية للأطباء إلى الخارج، حيث يفرون من القوانين القمعية التي تحاصرهم في بلادهم.

جمعية عمومية طارئة: الأطباء يرفضون القانون بالمطلق

في تصعيد جديد، دعت نقابة الأطباء إلى عقد جمعية عمومية طارئة في 3 يناير 2025، بهدف وضع خطة عملية لمواجهة مشروع القانون الذي يهدد مستقبل الأطباء بشكل مباشر.

النقابة دعت جميع الأطباء في مصر إلى المشاركة الفعالة في هذه الجمعية للوقوف صفًا واحدًا ضد قانون المسؤولية الطبية الذي وصفته بأنه «مذبحة للمهنة».

الأطباء يدركون تمامًا أن هذه المعركة ليست فقط من أجل حقوقهم الشخصية، بل من أجل الحفاظ على النظام الصحي في مصر من الانهيار.

ويبدو أن الحكومة لم تدرك بعد خطورة هذا المشروع الذي قد يدفع الأطباء إلى التوقف عن تقديم الرعاية الطبية الجادة خشية الوقوع في فخ القوانين المجحفة.

الكارثة الحقيقية: سجن الأطباء أو تعطيل النظام الصحي

إن فرض الحبس على الأطباء في حال ارتكابهم أخطاء طبية، حتى لو كانت غير متعمدة، يشكل خطرًا كبيرًا على استمرارية تقديم الخدمات الصحية في مصر. الأطباء ليسوا في جبهة حرب، بل هم في مواجهة حياة المرضى.

فهل يعقل أن يتم معاقبتهم بهذه الطريقة القاسية بسبب أخطاء غير متعمدة؟ هل ستستطيع المستشفيات والمراكز الصحية مواكبة الطلب المتزايد على الخدمات الصحية إذا أصبح الأطباء يعملون تحت ضغط كبير خوفًا من العقوبات القانونية؟

إن قانون المسؤولية الطبية في صيغته الحالية يمثل كارثة قد تقوض ثقة المواطنين في النظام الصحي، بل قد تدفع الأطباء إلى ترك المهنة تمامًا.

مهنة الطب ليست لعبة قانونية، بل هي من أسمى المهن التي تتطلب فهمًا عميقًا وتعاطفًا مع المرضى، ولكن هذا القانون لا يراعي هذه الحقيقة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى