الاختفاء القسري في قلب السجون: يحيى حسين عبد الهادي ضحية العزلة القاتلة
في زنزانة ضيقة مظلمة، يختفي يحيى حسين عبد الهادي، مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية، عن العالم الخارجي، في فصل مأساوي من الاضطهاد لا رحمة فيه.
لم يعد يقتصر الأمر على حبسه الاحتياطي أو الاتهامات الملفقة ضده، بل أصبح مجرد كائن بلا وجود في عيون النظام.
في قلب محبسه، الذي يُفترض أن يكون مؤقتًا، تعيش الحقيقة المرة: العزلة الممنهجة والحرمان من أدنى حقوق الإنسان.
في جلسة محكمة الإرهاب، سُلط الضوء على هذه المأساة التي لم تعد خافية على أحد. خلال الجلسة التي شهدت تجديد حبسه 45 يومًا على ذمة التحقيقات، كشف يحيى حسين عبد الهادي، من خلال محاميه الحقوقي نبيه الجنادي، عن تفاصيل مرعبة.
أكد عبد الهادي أمام المحكمة أنه يعيش في عزلة تامة، معزولًا عن أي تواصل مع العالم الخارجي. يجهل تمامًا ما يحدث خارج أسوار محبسه، ولا يعرف حتى مصير عائلته.
بل والأسوأ من ذلك، أكد محاميه أنه محظور تمامًا من الاتصال بأي شخص، محظور من الصحف، بل وأصبح وجوده في السجن وكأن لا شيء عنه يصل إلى أي جهة خارجية.
في محاكمة لم تكن أكثر من إجراء شكلي، تم منع يحيى حسين عبد الهادي من إتمام حديثه أمام المحكمة، بل تم تكبيله بالقرارات التعسفية التي تضعه في قلب دوامة معركة غير متكافئة ضد طغيان لا يرحم.
محاميه نقل عبر منصات التواصل الاجتماعي أن المحكمة رفضت السماح لـ عبدالهادي بإخبار العالم عن مأساته داخل السجن، في خطوة تُظهر بوضوح كيف أن النظام يسعى لطمس أي صوت معارض أو أي محاولة للكشف عن الانتهاكات المروعة داخل سجون الدولة.
وتأتي هذه الانتهاكات في وقت تتصاعد فيه الاتهامات الموجهة لعبد الهادي، والتي تتنوع بين “الانضمام لجماعة إرهابية”، “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، و”نشر شائعات وأخبار كاذبة”.
تهم جرى تلفيقها له، لتهدف إلى إسكات كل من يجرؤ على انتقاد النظام أو مساءلة ممارساته الفاشلة. وهي تهم بلا أدلة، إنما هي جزء من سياسة مستمرة تهدف إلى سحق أي معارضة من خلال التهديد والاعتقال والقمع الممنهج.
قبل اعتقاله، كان يحيى حسين عبد الهادي أحد الصحافيين والنشطاء الذين امتلكوا الجرأة في التعبير عن آرائهم. وفي أحد المنشورات الشهيرة التي دفعته نحو الاعتقال، كتب عبد الهادي بوضوح: “إلى متى يصمت الجيش؟ لماذا لا يتحرك؟ لقد بلغ السيل الزبى.. أغلبية المصريين في ضنك.. والفشل في كل اتجاه.. والفضائح تتوالى مغموسة بالفساد ويتحدث بها العالم”.
كلمات لا تخلو من الحقيقة المرة، التي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر النظام الذي لا يطيق أن يُسأل أو يُنتقد.
هذه الكلمات لم تكن مجرد انتقادات عابرة، بل كانت تعبيرًا عن إحساس عميق بالظلم الذي يعانيه المصريون بسبب سياسات النظام الحاكم. ولكن، بدلًا من الاستماع للمواطنين وتغيير السياسات الفاشلة، اختار النظام المصري أن يكمم الأفواه ويقيد الحريات، مستخدمًا القضاء كأداة لإسكات المعارضين.
فبعد الاعتقال، وجد عبد الهادي نفسه في زنزانة يختفي فيها عن الأنظار، ويدفع ثمن كلماته الجريئة بالاعتقال والعزل التام.
إن وضع عبد الهادي داخل السجن هو جزء من سياسة أوسع تستهدف كل من يجرؤ على رفع صوته ضد السلطة. فالسجون المصرية أصبحت مليئة بمواطنين تم اختطافهم من الشوارع أو من داخل منازلهم لمجرد إبداء آراء ناقدة.
هذا النمط من القمع المتوحش لا يقف عند حد الاعتقال فقط، بل يمتد ليشمل العزل التام عن العالم الخارجي، وحرمان المعتقلين من أبسط حقوقهم، مثل الاتصال بالآخرين أو الاطلاع على الأخبار. في الوقت الذي يعاني فيه عبد الهادي، هناك آلاف آخرون يتعرضون للمصير نفسه، وكلهم ضحايا لسياسة لا تعرف الرحمة.
إن العزلة التي يعاني منها عبد الهادي اليوم هي أكثر من مجرد عقوبة جسدية، إنها محاولة واضحة للتدمير النفسي، للضغط على المعارضين وإجبارهم على السكوت أو الاستسلام.
تلك الممارسات تجعل من السجون المصرية سجونًا لمجرد التصفية المعنوية وليس مكانًا للتأديب أو المعاقبة على الجرائم. في الحقيقة، هذا النظام لا يرحم أحدًا يجرؤ على تحديه، وعبد الهادي ليس إلا أحد الأمثلة الحية على تدمير الشخصيات الوطنية والنشطاء السياسيين.
الطريق الذي سلكه يحيى حسين عبد الهادي هو طريق مليء بالتضحيات، وقد أصبح رمزًا للنضال ضد قمع الحريات في مصر. إذ أن معركته ليست مجرد معركة قانونية ضد الاتهامات الجائرة التي تلاحقه، بل هي معركة وجودية ضد نظام يتعمد محو كل من يعارضه.
وفي غياب الاهتمام الدولي، فإن هذه الممارسات ستظل تتكرر بشكل يومي، ما لم يتوقف العالم عن الصمت ويبدأ في اتخاذ إجراءات حقيقية لإنهاء هذا الظلم المستمر.