أعلنت وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارتي الإسكان والاتصالات عن مبادرة جديدة تحت عنوان “بيتك في مصر”، تستهدف بيع وحدات سكنية بأسعار خيالية للمصريين المغتربين، في خطوة مثيرة للجدل وصادمة لجميع المصريين في الخارج.
المبادرة تأتي في وقت تعاني فيه الدولة من أزمة اقتصادية خانقة، وهي محاولة واضحة لاستنزاف مدخرات المصريين بالخارج بدعوى دعم موارد الدولة من العملات الأجنبية.
المبادرة تتضمن توفير وحدات سكنية بأسعار تبدأ من 375 دولارًا وتصل إلى 3750 دولارًا للمتر الواحد، وهي أرقام خيالية بالنسبة لشريحة كبيرة من المصريين بالخارج الذين يعانون من ضغوط اقتصادية مماثلة في دول إقامتهم.
وبدلًا من أن تقدم الحكومة حلولًا واقعية تسهم في ربط المغتربين بوطنهم الأم وتسهيل عملية الاستثمار في العقارات، فإنها تعمد إلى استغلال الحنين للوطن وابتزاز المدخرات بشروط مالية مجحفة.
المغتربون الذين كانوا يأملون في مبادرات تسهل لهم العودة إلى الوطن أو الاستثمار في عقارات تضمن لهم مستقبلاً آمناً وجدوا أنفسهم أمام مبادرة هدفها الأساسي هو سد عجز الدولة في العملات الأجنبية عبر فرض أسعار مبالغ فيها للوحدات السكنية.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل تم تسويق هذه الوحدات وكأنها فرصة العمر، في حين أن الأسعار لا تتناسب إطلاقًا مع قيمة العقارات المتاحة ولا مع الظروف الاقتصادية التي يعيشها المغتربون.
من جانبه أكد وزير الخارجية أن هذه المبادرة تأتي في إطار الجهود المبذولة لتعزيز روابط المصريين بالخارج بوطنهم الأم، إلا أن الحقائق على الأرض تشير إلى أن الهدف الأساسي هو جمع العملات الأجنبية بأي وسيلة، حتى لو كانت على حساب مصلحة المواطنين المغتربين الذين لطالما قدموا دعماً مادياً ومعنوياً لوطنهم.
وتزامنًا مع هذه المبادرة، تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة، حيث يتراجع سعر صرف الجنيه بشكل مستمر ويعاني الاقتصاد من ضغوط هائلة، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عدة لمحاولة استقطاب العملات الأجنبية، ولكن بأي ثمن؟ فبدلاً من تقديم حوافز حقيقية لجذب استثمارات المغتربين، تأتي هذه المبادرة كخطوة تضيف عبئاً جديداً على كاهلهم.
الإعلانات التي أطلقتها وزارة الإسكان والاتصالات تروج للوحدات السكنية بأسعار تتراوح بين 3750 دولاراً للمتر في بعض المناطق الفاخرة، و375 دولاراً للمتر في المناطق الأقل حظاً، دون النظر إلى قدرة المصريين بالخارج على تحمل هذه التكاليف أو توفير حلول تمويلية تتيح لهم امتلاك العقارات بسهولة.
الأسوأ من ذلك، أن هذه الأسعار لا تأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية التي يواجهها العديد من المغتربين في بلدان إقامتهم، حيث يعاني الكثير منهم من صعوبات اقتصادية في ظل التضخم العالمي وارتفاع تكاليف المعيشة.
وفي الوقت الذي تُسوق فيه الحكومة هذه المبادرة على أنها جزء من استراتيجية وطنية لتعزيز روابط المغتربين بوطنهم الأم، فإن واقع الحال يشير إلى أن المغتربين يرونها كمحاولة جريئة لسحب أكبر قدر ممكن من العملات الأجنبية عبر استغلال حاجتهم لتملك عقار في بلدهم.
هذه السياسة التي تتجاهل تطلعات المصريين بالخارج في مبادرات حقيقية تساهم في تحسين مستوى معيشتهم، وتمنحهم فرصاً عادلة للاستثمار في بلدهم الأم، تثير تساؤلات حول مدى اهتمام الحكومة فعلاً بالمواطنين المغتربين أم أن الهدف الوحيد هو إنقاذ الاقتصاد المترنح.
إلى جانب ذلك، لم تقدم الحكومة حتى الآن أي ضمانات حقيقية حول جودة الوحدات السكنية المعروضة أو توافر البنية التحتية الملائمة في تلك المناطق.
بدلاً من تقديم حلول متكاملة تعزز من ثقة المغتربين في الاستثمار في وطنهم، تكتفي الحكومة بتسويق المشروع عبر الأرقام المبهرة والأسعار الباهظة، دون توضيح التفاصيل الكاملة أو تقديم رؤية شاملة تحقق التوازن بين مصلحة الوطن ومصلحة المغتربين.
إن رهان الحكومة على تحويل مدخرات المغتربين إلى وحدات سكنية بأسعار خيالية قد يكون سيفاً ذا حدين، فبينما تسعى الدولة لجمع العملات الأجنبية بأي وسيلة، قد يؤدي هذا التوجه إلى عزوف الكثير من المغتربين عن الاستثمار في وطنهم، مما يخلق فجوة أكبر بين المغتربين ووطنهم ويؤدي إلى فقدان ثقتهم في السياسات الحكومية.
وبالرغم من التسويق المستمر للمبادرة كفرصة استثمارية غير مسبوقة، إلا أن الحقائق الاقتصادية تشير إلى أن المغتربين لن يكونوا قادرين على تحمل هذه الأعباء المالية، ما سيؤدي في النهاية إلى إفشال المبادرة ما لم تعيد الحكومة النظر في سياستها تجاه المغتربين، وتقدم حوافز حقيقية تعزز من ارتباطهم بالوطن بشكل إيجابي ومستدام.