الروس والحوثيون: تكتيك جديد في مواجهة الولايات المتحدة في البحر الأحمر
في الأشهر الأخيرة ومع رفع الولايات المتحدة القيود على الضربات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية، ردت روسيا بتعزيز دعمها لجماعة الحوثيين في اليمن وزيادة هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر.
قدمت روسيا للحوثيين بيانات تتبع الأقمار الصناعية للسفن التجارية عبر وسطاء إيرانيين، وهي الآن تهدد بتزويدهم بصواريخ مضادة للسفن.
إذا تحقق ذلك، فإن الحوثيين سيصبحون قادرين على تهديد أكبر، مما يعرض السفن الحربية الأمريكية التي تجوب المياه للخطر.
إن رسالة روسيا لا تترك مجالًا للشك: إذا استمرت الولايات المتحدة في التصعيد في أوكرانيا، فإن روسيا سترد بالتصعيد في البحر الأحمر. كل من النزاعين ثبت أنهما أصعب بكثير مما كان يتوقعه الطرفان.
في أوكرانيا، تحطم حلم روسيا في ضرب سريع للإطاحة بالحكومة ليبدأ صراعًا طاحنًا يتجه نحو عامه الرابع. أما في البحر الأحمر، فقد عجزت الولايات المتحدة عن ردع الحوثيين أو تقليص هجماتهم على السفن التجارية.
وفي الوقت نفسه، استنزفت الولايات المتحدة سريعًا مخزوناتها العسكرية، حيث تطلق صواريخ قيمتها مليوني دولار ضد طائرات مسيرة بقيمة 20 ألف دولار. هذه الفجوة بين تكاليف الحرب تؤكد على ضعف القدرة الأمريكية أمام روسيا والصين على حد سواء.
روسيا قد تسعى للاستفادة من الحوثيين إذا شعرت أن قاعدة بحرية روسية في اللاذقية بسوريا مهددة بعد سقوط الرئيس بشار الأسد. أو إذا اعتقدت روسيا أن قاعدتها في البحر المتوسط معرضة للخطر، فقد تبحث عن بديل في البحر الأحمر، مستفيدة من وجود مستشارين روس بين صفوف الحوثيين.
وفي نفس السياق، قد تشجع الصين روسيا والحوثيين، خاصة وأن الصواريخ الأمريكية التي تطلق في البحر الأحمر لا يمكن استخدامها في منطقة المحيط الهادئ.
يشير هذا التصعيد إلى تحول النزاعات إلى منافسة كبرى بين القوى العظمى، حيث تؤثر الحروب الصغيرة والكبيرة على ساحة العالم. هذه الظاهرة تشبه ما شهدته الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط قبل سنوات.
في عام 2000، نشرت الصين ورقة بيضاء تؤكد أنها ليست بحاجة إلى قواعد عسكرية في الخارج. بعد ثمانية أعوام من الضغط الأمريكي، وافقت الصين على التعاون في دوريات لمكافحة القرصنة في البحر الأحمر.
كانت هذه خطوة كبيرة لصالح الولايات المتحدة ودليلًا على قدرتها على إقناع الصين بالتعاون بدلًا من التنافس. لكن في عام 2017، استخدمت الصين وجودها المستمر في البحر الأحمر لمكافحة القرصنة كدافع لإنشاء قاعدة بحرية في المنطقة، واختارت جيبوتي، الجارة القريبة من القاعدة الأمريكية. هكذا، ما كان في عام 2008 انتصارًا للولايات المتحدة قد تحول بعد عقد من الزمان إلى نقطة ضعف استراتيجية، منحت الصين موطئ قدم في البحر الأحمر.
منذ ظهور تهديد الحوثيين بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023 على إسرائيل ورد فعل إسرائيل في غزة، تعاملت الولايات المتحدة مع الحوثيين كقضية إقليمية مرتبطة بمشاكل إيران أكثر منها جزءًا من التنافس الاستراتيجي الحالي. إلا أن روسيا، كما أثبتت، تربط الحوثيين بالحرب في شرق أوروبا وكذلك بتحديات الأمن في المحيط الهادئ. ولذلك يجب أن يتغير رد الولايات المتحدة ليصبح أكثر توازنًا ومرونة، يشمل تعزيز التحالفات وفرض تكاليف على الخصوم.
تتضمن الاستراتيجية الأمريكية ثلاث خطوات رئيسية
زيادة مشاركة الحلفاء والشركاء
يجب على الولايات المتحدة تعزيز مشاركة الحلفاء والشركاء في ضمان التدفق الحر للتجارة، وهو مصلحة عالمية يتعين على جميع الدول المشاركة في الحفاظ عليها. يجب على الولايات المتحدة أن تطلب دعمًا إضافيًا من حلفائها في حلف شمال الأطلسي لتسيير دوريات في البحر الأحمر، وتوفير حماية أكبر للسفن التجارية. كما يجب تشجيع الشركاء غير الأعضاء في الناتو على زيادة الدوريات في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر عمان لوقف شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين. كذلك يجب على الشركاء الإقليميين مثل مصر والسعودية والإمارات وعمان أن يلعبوا دورًا في منع شحنات الصواريخ إلى الحوثيين وعزلهم في المنطقة.
زيادة تكلفة التعاون مع الحوثيين
يجب على الولايات المتحدة رفع تكلفة دعم الحوثيين على خصومها. يمكن أن تشمل هذه الخطوة فرض عقوبات إضافية على روسيا، رغم أن تأثير هذه العقوبات قد يكون أكبر من الناحية الدبلوماسية أكثر من الاقتصادية. إذا استطاعت الولايات المتحدة إثبات أن دعم روسيا يزيد من عدد الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، ويؤثر على اقتصادات دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية، فسيكون لديها فرصة أفضل لعزل روسيا دبلوماسيًا. في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة أن تُظهر للصين كيف أن تصرفات روسيا في البحر الأحمر قد تضر باقتصادها، خاصة وأن الصين تعتمد بشكل كبير على النفط من الشرق الأوسط.
زيادة تكلفة الهجمات على الحوثيين
على مدار العام الماضي، تجنب الحوثيون الهجمات المضادة واسعة النطاق. رغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل نفذت ضربات داخل اليمن، فإنها استهدفت غالبًا البنية التحتية للحوثيين ومستودعات الأسلحة. يجب على الولايات المتحدة زيادة الهجمات الهجومية، مما يرسل رسالة قوية للحوثيين بأن القادة المسؤولين عن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر سيكونون أهدافًا مباشرة.
إن تهديد الحوثيين لم يظهر فجأة ولن يختفي بسرعة، ولكن من خلال تبني رؤية أوسع للمشكلة وإشراك المزيد من الأطراف، ستكون الولايات المتحدة أكثر قدرة على مواجهة هذا التهديد بشكل فعال.