في مفاجأة غير متوقعة وصل سعر الدولار إلى مستويات تاريخية جديدة أمام الجنيه المصري متجاوزاً حاجز الـ 51 جنيهاً في عدد من البنوك لأول مرة منذ تحرير الجنيه في مارس الماضي.
هذا الصعود القياسي للعملة الأمريكية يأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من تحديات ضخمة ومستقبل غامض، مما يضع الجنيه في موقف صعب ويؤكد المخاوف الكبيرة بشأن الوضع الاقتصادي في البلاد.
مع تجاوز الدولار هذا الرقم القياسي، أصبح الوضع أكثر تعقيداً، حيث وصل سعر صرف الدولار في البنك المركزي إلى 50.87 جنيه للشراء و50.96 جنيه للبيع، مما يعكس تدهوراً جديداً في قيمة الجنيه، والذي أصبح بمثابة المقياس لقياس حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
ومع ذلك، كانت بعض البنوك التجارية قد سجلت أسعاراً أعلى، حيث بلغ سعر الدولار في بنك أبوظبي الإسلامي 50.95 جنيه للشراء و51.04 جنيه للبيع، وهو أعلى سعر تم تسجيله حتى الآن.
في بنك فيصل والشركة المصرفية “SAIB”، كان السعر مماثلاً، وهو ما يعكس حالة من التذبذب في أسواق العملات في مصر بشكل عام.
تأتي هذه الزيادة في ظل توقعات وتحليلات اقتصادية كانت قد استبعدت هذا النوع من الارتفاعات في وقت قريب. فقد كانت وكالة “فيتش سوليوشنز” للتصنيف الائتماني قد توقعت في وقت سابق أن يكون الدولار قد وصل إلى سقف معين مقابل الجنيه، واعتبرت أن تجاوز الـ 50 جنيهاً سيكون أمرًا غير محتمل في ظل التحسن المتوقع في معنويات المستثمرين والتدخلات المرتقبة في السوق.
ولكن الحقيقة كانت مغايرة، حيث وجدت الأسواق نفسها أمام واقع مرير، إذ تصاعدت الضغوط على الجنيه لتتجاوز هذه التوقعات بشكل كارثي.
لم تقتصر الأمور على توقعات “فيتش” فقط، بل أيضاً خفضت الوكالة نفسها توقعاتها للنمو الاقتصادي لمصر إلى 3.7% بدلاً من 4.2% في العام المالي الحالي.
هذا التعديل الحاد في التوقعات يعكس عمق الأزمة الاقتصادية، حيث شهدت البلاد فترة طويلة من انقطاع المرور في قناة السويس، وهو ما أثر بشكل بالغ على حركة التجارة العالمية ومعدلات النمو.
من جانب آخر، لا يبدو أن الأمور ستتحسن في المستقبل القريب وفقاً للتوقعات الدولية. فصندوق النقد الدولي أشار إلى أن الدولار سيواصل صعوده أمام الجنيه في السنوات المقبلة، حيث يتوقع أن يصل إلى 56.26 جنيه في العام المالي 2024-2025.
ليس هذا فحسب، بل سيتابع الدولار صعوده ليصل إلى 58.39 جنيه في العام التالي، ثم إلى 59.46 جنيه في عام 2026-2027، ليصل إلى 59.67 جنيه في العامين التاليين حتى عام 2029. هذه الأرقام ليست مجرد توقعات اقتصادية، بل هي مؤشرات على معركة كبيرة يخوضها الجنيه ضد العملة الأمريكية التي تزداد قوة يوماً بعد يوم.
ومع هذه الارتفاعات الحادة، تظهر التساؤلات حول قدرة الحكومة على التصدي لهذا الانهيار السريع للعملة المحلية. فارتفاع الدولار بهذا الشكل المستمر ينعكس سلباً على كافة القطاعات الاقتصادية في مصر، من التجارة والاستثمار إلى مستويات المعيشة.
المواطنين، الذين كانوا يعانون من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة، سيجدون أنفسهم في مواجهة موجة جديدة من التضخم الذي يضغط على قوتهم الشرائية.
إن الوضع الراهن يحمل في طياته كارثة اقتصادية تهدد استقرار الجنيه على المدى البعيد، ومن الممكن أن تستمر تداعياتها لتؤثر على كافة شرائح المجتمع.
تدابير الحكومة التي تتخذها لمحاولة الحفاظ على سعر صرف الجنيه لن تكون كافية إذا استمرت الأزمة في التصاعد، وهو ما يعني أن هناك حاجة ماسة إلى حلول جذرية، وليس مجرد إجراءات مؤقتة.
في الوقت نفسه، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هناك إجراءات عاجلة لمعالجة هذه الأزمة قبل أن يصل الدولار إلى مستويات يصعب تحملها؟
وهل ستكون هناك إصلاحات جادة تضمن استقرار الجنيه على المدى الطويل؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تبقى غامضة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، مما يزيد من حالة القلق والترقب بين المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
فإن ما يواجهه الجنيه المصري في هذه الفترة هو تحدٍ خطير للغاية، لا سيما أن كافة المؤشرات تشير إلى أن الوضع سيزداد سوءاً في المستقبل القريب.
ارتفاع الدولار ليس مجرد مؤشر على الضعف الاقتصادي، بل هو إنذار مبكر عن كارثة اقتصادية قد تهز أركان الاقتصاد المصري بشكل كبير في السنوات المقبلة.