فضيحة فساد مستمرة في إقليم جنوب الصعيد الثقافي واختلاس 1000 جنيه لكل موظف
تستمر سلسلة الفضائح في هيئة قصور الثقافة بإقليم جنوب الصعيد الثقافي، حيث يتجلى الفساد في أبهى صورة من خلال أيدي من يفترض بهم حماية المال العام وتطوير القطاع الثقافي.
هذه المرة، يظهر في الواجهة هشام عز الدين العُماري، الشهير بين موظفي الثقافة بـ “مدير إدارة الحمامات”، وعماد فتحي مدبولي، رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي، في واحدة من أفظع صور التلاعب والإهدار المتعمد للأموال العامة، بما يتجاوز مجرد التقاعس الإداري ليصل إلى حد الفساد العلني، الأمر الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية لوقف هذا النزيف المستمر.
بعد أن نشر موقع “أخبار الغد” تفاصيل قضية فساد واضحة، والتي تتعلق بتلاعب هشام العُماري وعماد فتحي مدبولي في التعاقدات التي أبرمتها مديرية الإسكان بالأقصر، نيابة عن فرع الثقافة في المحافظة، تبين أن العُماري وفتحى دخلا في صفقات مشبوهة مع مقاول العمليات، الذي كان من المفترض أن ينفذ الأعمال وفقاً للمواصفات والمعايير المحددة.
ولكن في خطوة تدل على الفساد المتجذر في هذا القطاع، تبين أن المقاول الذي رست عليه العمليات كان يعمل لصالح العُماري، وأن هناك تلاعباً واضحاً في الخامات التي تم استخدامها في المشاريع.
بدلاً من استخدام المواد المطلوبة طبقاً للمواصفات، قامت الأطراف المتورطة بالتلاعب في هذه الخامات واستخدام مواد رديئة ومنخفضة الجودة، وهو ما يشير إلى عدم اكتراثهم بجودة العمل أو المال العام.
إلا أنه بمجرد أن تم نشر هذه المعلومات في “أخبار الغد“، سارعا إلى شراء خامات أفضل محاولة لتغطية الفضيحة والابتعاد عن الأنظار، ولكن لم يكن بإمكانهم إخفاء المبالغ المالية التي حصلوا عليها مقابل هذه التلاعبات.
المستوى الأعلى من الفساد ظهر عندما قام العُماري، الذي كان قد استحوذ على الأموال من المقاول، بتقديم طلب لعماد فتحي مدبولي يقترح فيه مكافأة تشجيعية لعدد من الموظفين في فرع ثقافة الأقصر.
هؤلاء الموظفون لم يكونوا من العاملين في إدارة الصيانة، ولكن العُماري أصر على تصنيفهم كجزء من هذه الإدارة، وصرف لكل واحد منهم مبلغاً قدره 1000 جنيه.
كان الهدف من هذه المكافأة، كما يبدو، هو إخفاء المبالغ المالية التي تم استغلالها لصالح المقاول ولإخفاء الأدلة على التلاعب.
تاريخ صرف هذه المكافأة كان في 24 نوفمبر 2024، وكان المستفيدون منها كلاً من محمد الدسوقي، الموظف في قصر ثقافة الأقصر، وأحمد عبده، المسؤول عن التدريب في فرع ثقافة الأقصر، بالإضافة إلى محمد عبدالرحمن وماجدة من قصر ثقافة الطفل، إلى جانب آخرين.
ومما لا شك فيه أن هؤلاء الموظفين لم يكونوا موظفين في إدارة الصيانة، وهو ما يؤكد وجود تلاعب واضح في توزيع المكافآت بهدف تسهيل الاستيلاء على المال العام.
كان من المفترض أن تتم هذه المكافآت تحت إشراف مدير عام الفرع المحترم الذي يرفض الفساد، لكن تم تجاوز هذا المدير المحترم وتحويل المذكرة مباشرة إلى رئيس الإقليم.
الفضيحة الأكبر في هذه القضية تكمن في أن المكافآت التي تم صرفها لهؤلاء الموظفين كانت مجرد أداة لتسهيل الاستيلاء على المال العام، ضمن خطة خبيثة لإخفاء الأموال التي تم سحبها من المقاول.
المكافآت لم تكن إلا عملية صورية تهدف إلى تحويل الأموال إلى هشام عز الدين، لتغطية الفارق في أسعار الخامات، وهو الفارق الذي كان قد استولى عليه هشام وعماد بشكل غير قانوني، مما يسلط الضوء على عمليات التلاعب المستمرة التي كانت تُنفذ لتشتيت الأنظار عن حجم الفساد.
وقد ثبت أن الأموال التي تم تسليمها لم تكن موجهة للأغراض المفترضة، بل كانت مجرد وسيلة لتغطية عمليات السرقات التي أُجريت على حساب المال العام.
ومع كل هذه الفضائح، تتساءل الأوساط الثقافية والمواطنون عن موقف وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة، التي يبدو أنها غافلة أو غير مهتمة بما يحدث في هذا الإقليم.
إن تقاعس الوزارة في محاسبة هؤلاء المسؤولين المتورطين في الفساد يعد انتهاكاً صارخاً للقيم التي يفترض أن تحكم القطاع الثقافي في مصر. ولقد كانت هناك فرص عديدة للوزارة لإيقاف هذا الفساد من خلال التدقيق في الصفقات والمشاريع، لكن لم يحدث شيء.
وبالنسبة للمواطنين الذين يتابعون هذه القضية، فإن الفساد في إقليم جنوب الصعيد الثقافي يبدو أنه لا يتوقف عند حد معين، بل يتطور ويأخذ أشكالاً أكثر تعقيداً، ليصبح قضية فساد مستمر في هيئة ثقافية من المفترض أن تكون نموذجاً في النزاهة.
إن هذه القضية تتطلب تدخلاً عاجلاً من اللجنة التفتيشية التي ترأسها عبدالحليم سعيد في إقليم جنوب الصعيد الثقافي. يجب تكليف اللجنة من قبل نائب رئيس الهيئة للقيام بفحص هذه المخالفة على وجه السرعة، خاصة إذا كان الاعتداء على المال العام قد تم بمعرفة ورضا المسؤولين المعنيين.
لا شك أن هذه القضايا، التي تفضح الفساد المستشري في قطاع حساس كقطاع الثقافة، بحاجة إلى أن تكون بمثابة جرس إنذار لجميع المسؤولين في الوزارة وهيئاتها المختلفة.
فإن السكوت عن هذه الأفعال الفاسدة، أو التستر عليها، لا يعد فقط تقاعساً إدارياً بل مشاركة في الجريمة. إذا كانت هيئة قصور الثقافة والإقليم الثقافي في جنوب الصعيد جادّة في محاربة الفساد، يجب أن تكون هناك محاسبة فورية للمسؤولين المتورطين في هذه التجاوزات، مع اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضدهم، وإلا سيستمر الفساد في هذا القطاع إلى أجل غير مسمى.