تقاريرمصر

عاصفة فساد تجتاح «كهرباء مصر» سرقة 16 مليون جنيه وعبث بحياة المواطن المصري

إنّما تَظهر الحقائق وتنكشف أسرارها في الوقت الذي تتناثر فيه أوراق الخيانة وتسطع أضواء الحقيقة على جريمة فساد كبيرة تكشف خبايا لا يعلمها الشعب المصري ولا يرضى بها، وتظل الأجهزة الرقابية مشلولة عن متابعة الأحداث أو محاسبة المسؤولين.

ما نشهده اليوم في قطاع الكهرباء المصري لا يعد مجرد فضيحة أو حالة فساد عابرة، بل هو جريمة من العيار الثقيل، تفضح تواطؤ المسؤولين في وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر وتكشف عن هدر كبير لأموال الدولة واستغلال المراكز الوظيفية لمصالح شخصية، في وقت يعاني فيه المواطن المصري من ارتفاع الأسعار وفواتير الكهرباء.

فضيحة سرقة التيار الكهربائي .. فواتير ضخمة ومسؤولون كبار وراء الكواليس

ما كشفه تقرير مسرب عن «سرقات الكهرباء» يعد من أخطر الجرائم المالية التي قد تحدث في قطاع حساس كهذا، ففي حين تعيش الدولة المصرية على وقع أزمة اقتصادية خانقة، وبينما تكافح الأسر المصرية لدفع فواتير الكهرباء المرتفعة، تظهر وقائع تتعلق بسرقات علنية للكهرباء وتواطؤ صارخ بين مسؤولين كبار في وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.

ونتيجة لهذه السرقات، تم تحديد خسائر فادحة بلغت قيمتها أكثر من 16 مليون جنيه خلال فترة شهرين فقط، وهي تمثل حوالي 25% من إجمالي القدرة الكهربائية المنتجة في مصر، وهي نسبة تهدد أمن الشبكة القومية للطاقة، وتعتبر إهداراً غير مبرر للمال العام.

تدور هذه السرقات على الساحل الشمالي، الذي يسيطر عليه كبار رجال الأعمال، حيث يُكشف يومًا بعد يوم عن سرقة التيار الكهربائي لصالح مشاريع سياحية ضخمة وفيلات خاصة لهذه الشخصيات الكبيرة.

وبدلاً من اتخاذ إجراءات حازمة ضد هذه السرقات، نجد أن هناك تواطؤًا من قبل المسئولين المحليين في قطاع الكهرباء، سواء في شركات توزيع الكهرباء أو الوزارة نفسها.

نادية عبدالعزيز قطري من المسؤولية إلى الاستغلال

في وسط هذه الفوضى تظهر السيدة نادية عبد العزيز قطري، العضو المتفرغ للشؤون المالية والتمويل ونائب رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، والتي تورطت في فضيحة مدوية.

حيث تبين أنها كانت وراء عملية سرقة التيار الكهربائي لإنارة فيلتها الخاصة في الساحل الشمالي، وهو ما يُعد خرقًا صارخًا للقوانين والأعراف المتبعة في القطاع.

هذه الواقعة لا تمثل جريمة سرقة فقط، بل تُظهر استغلالًا مفضوحًا للموقع الوظيفي، حيث كانت تحصل على الكهرباء بشكل غير قانوني، دون أن تسدد أي فواتير أو تستكمل الإجراءات القانونية المعتادة.

بل الأكثر من ذلك، فُجعت الجهات الرقابية بما كشفته التقارير عن أن السيدة نادية عبد العزيز قطري لم تكن فقط تسرق الكهرباء بل كانت قد حصلت على عدد 12 كشافا كهربائيا من النوع المتوهج لتركيبهم في فيلتها الخاصة.

ولكن القصة لا تتوقف هنا. إذ أن المسؤولين في شركة توزيع كهرباء الإسكندرية لم يتخذوا أي إجراء قانوني ضد هذه المخالفات بل على العكس، أُعطي تعليمات واضحة بعدم التدخل في هذه القضية أو محاسبة المتورطين فيها، بل تم إخفاء الأدلة من خلال تشكيل لجنة غير محايدة لتغطية هذه الجريمة، وهو ما يؤكد تواطؤ جميع الأطراف المعنية.

التستر على الجريمة والفساد الممنهج في وزارة الكهرباء

ما إن تفجرت هذه الفضيحة، حتى انطلقت تحقيقات وزارة الكهرباء، ولكن لا يمكن اعتبار هذه التحقيقات سوى مسرحية لتغطية الجريمة والتهرب من المساءلة.

حيث تم تشكيل لجنة مختارة بعناية، وقد تم إعداد تقرير يدعي براءة السيدة نادية عبد العزيز قطري من جميع التهم، بل يتم الترويج له بأن جميع الإجراءات القانونية قد تم اتباعها بشكل صحيح، رغم وجود أدلة دامغة على المخالفات.

وما يثير الاستغراب أكثر هو أن وزير الكهرباء، الذي كان على علم تام بتفاصيل هذه الفضيحة، لم يتخذ أي إجراء حاسم ضد المتورطين بل قام بإقرار تقرير اللجنة المزيف.

إن هذا التواطؤ بين كبار المسؤولين في وزارة الكهرباء والشركة القابضة يعكس حقيقة واضحة وهي أن القانون لا يُطبق إلا على الفقراء والمواطنين البسطاء، أما أصحاب النفوذ والكبار فبإمكانهم اختراق القانون بسهولة دون أي محاسبة أو عقاب.

إهدار المال العام وغياب الرقابة

تعد هذه الواقعة مجرد غيض من فيض الفساد المستشري في قطاع الكهرباء. فمن المعروف أن سرقة التيار الكهربائي في قرى الساحل الشمالي لم تقتصر على نادية عبدالعزيز قطري فقط، بل طال الأمر العديد من القرى السياحية التي تمتلكها شخصيات كبيرة ورجال أعمال ذوو نفوذ.

ورغم أن الخسائر الناتجة عن هذه السرقات بلغت 16 مليون جنيه، إلا أن الأجهزة الرقابية ترفض التدخل أو محاسبة المتورطين في هذه الجرائم.

وفي الوقت الذي تقوم فيه وزارة الكهرباء والشركة القابضة بالإعلان عن “مكافحة الفساد” و”محاسبة الفاسدين”، لا يحدث على أرض الواقع سوى التستر على هذه الجرائم الكبرى، في ظاهرة تؤكد أن الفساد أصبح هو القاعدة، بينما الشرفاء هم الاستثناء.

تصريحات رئيس شركة كهرباء الإسكندرية، المهندس إيهاب الفقي، التي يرددها بين الحين والآخر بشأن “مكافحة الفساد” و”متابعة الفاسدين”، أصبحت مجرد كلام فارغ لا يطابق حقيقة الأمور على الأرض.

كيف يمكن تصديق مثل هذه التصريحات بينما توجد مخالفات جسيمة داخل قطاع الكهرباء نفسه، دون أن يتم اتخاذ أي خطوة جادة لمحاسبة المسؤولين عنها؟

حماية الفاسدين والمستقبل المظلم

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى متى ستستمر هذه الحلقة المفرغة من الفساد والتواطؤ بين المسؤولين؟ من يظن أن المال العام في مصر سيكون متاحًا للسرقة دون محاسبة فهو مخطئ.

لكن من الواضح أن هناك غطاءً يتم توفيره لبعض المسؤولين الكبار الذين لا يخضعون لأي محاسبة حقيقية.

إن الفساد في قطاع الكهرباء هو نموذج مصغر لما يحدث في باقي القطاعات الحكومية في مصر. كلما استمر الفساد دون محاسبة، كلما تآكلت الدولة من الداخل وأصبحت غير قادرة على النهوض.

إن مستقبل مصر في خطر إذا استمر الحال على ما هو عليه، وإذا استمر الفساد في التسلل إلى كل مؤسسة حكومية، ليحرم الشعب من حقوقه.

أين دور الأجهزة الرقابية؟

لقد أصبح واضحًا أن الأجهزة الرقابية في مصر قد أُصيبَت بالشلل التام أمام هذه الجرائم التي تجري على مرأى ومسمع الجميع.

فكلما ظهرت فضيحة جديدة في القطاع الكهربائي، نجد أن الأمور تُسوى في السر، ويتم التغطية عليها لتستمر شبكة الفساد في العمل دون عقاب.

أجهزة الرقابة يجب أن تكون على رأس أولويات الدولة في محاربة الفساد، لكن ما نراه هو أن هذه الأجهزة إما مشلولة أو متواطئة مع الفاسدين.

إن الوقت قد حان لإنهاء هذه المهزلة، وإنهاء هذه الحلقات المتكررة من التستر على الفساد. المواطن المصري يتساءل: أين ذهبت أمواله؟ لماذا يتم إهدار ثروات البلاد بهذه الطريقة؟ لماذا يُسمح للمسؤولين بالاستغلال والفساد دون أي رادع؟

إن الجواب على هذه الأسئلة يكمن في الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد، ولابد من وقفة حازمة لردع الفاسدين قبل أن تستمر هذه الظاهرة في تهديد أمن مصر واستقرارها.

هل آن الأوان للتغيير؟

اليوم، نرى أن الوقت قد حان لتحقيق العدالة في قطاع الكهرباء، وأنه يجب محاكمة المسؤولين المتورطين في هذه الجرائم التي تضر بمال الشعب.

القضاء على الفساد لا يتم بمجرد التصريحات، بل يتطلب تغييرات حقيقية وإجراءات صارمة ضد جميع المتورطين، حتى لو كانوا من كبار المسؤولين.

الشعب المصري يستحق أن يعيش في دولة خالية من الفساد، دولة تطبق فيها القوانين على الجميع دون استثناء، بحيث لا يكون هناك كبار يتمتعون بحقوق خاصة، بل قانون واحد يسري على الجميع.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى