في مشهد يعكس حجم التدهور والإهمال الذي طال البنية التحتية لشركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء، رغم إنفاق ملايين الجنيهات على مشروعات التطوير التي تهدف إلى تحسين الأداء، إلا أن الفساد والإهمال أضافا أبعاداً أخرى لأزمة قطاع الكهرباء في مصر.
ولا يمكن وصف ما يحدث إلا بأنه تقاعس تام من قبل الشركة القابضة لكهرباء مصر، ووزارة الكهرباء، والحكومة المصرية عن مسؤولياتها تجاه هذا القطاع الحيوي.
لقد كشفت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن العديد من أوجه الفساد والتقصير التي تعاني منها شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء، وهي شركة تابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر.
ففي وقت تم فيه إنفاق 8 مليون جنيه لتطوير منظومة الموارد البشرية والمرتبات ERP بالشركة، وفقاً لأمر إسناد رقم 162 لعامي 2021/2022، ما زالت الشركة تعاني من تكرار الأعطال في هذه المنظومة الهامة، مما تسبب في تأخير صرف الحوافز للعاملين وتراكم الأزمات.
فساد يهدد قطاع الكهرباء ويعمق الأزمة
منذ تولي رئيس مجلس إدارة الشركة الحالي ونوابه زمام الأمور، باتت الشركة وكأنها تدار بطريقة أشبه بمجلس حرب، حيث تم فرض إجراءات صارمة لمنع تسريب أي معلومات عن الملفات الحساسة التي تدور داخل الشركة.
حتى أن أعضاء مجلس الإدارة يتجنبون التحدث عبر الهواتف فيما بينهم خشية من التسريبات. وقد بلغ الأمر إلى حد فرض سرية تامة على قرار اتخذته الإدارة بحق أحد القيادات داخل الشركة، الذي تم إدانته ماليًا وإداريًا في عدة مخالفات، لكن مجلس الإدارة اكتفى بتوجيه جزاء بسيط بالتنبيه فقط، مع عدم نشر القرار وإخفائه عن الإدارات المختصة.
مثل هذه التصرفات تعكس بشكل واضح فسادًا متأصلًا داخل الشركة، وهو ما يُظهر فشل الإدارة في اتخاذ الإجراءات الحازمة تجاه المخالفين وحماية المال العام. فعوضًا عن محاسبة المسؤولين عن سوء الإدارة وتبديد الأموال، يتكرر مشهد التستر على الفساد وإخفاء الحقائق.
8 ملايين جنيه في مهب الريح وERP يتهاوى أمام أعين الجميع
منظومة ERP التي كان يُفترض بها أن تكون ركيزة أساسية لتحسين إدارة الموارد البشرية والمرتبات بالشركة، أصبحت عنواناً للإهمال والفساد.
هذه المنظومة التي تم تخصيص 8 ملايين جنيه لتطويرها لم تفلح في تحسين أوضاع الشركة. الأعطال المتكررة، البطيء المذهل في الاستجابة، وانقطاع الخدمة بشكل دوري في مواقع الشركة مثل الكريمات وأسيوط، كلها مؤشرات على فشل ذريع في هذا المشروع.
العاملون بالشركة يستخدمون هذه المنظومة لمعرفة حقوقهم المالية من إجازات ومستحقات وحوافز، لكنهم يواجهون بطئاً شديداً وانقطاعاً متكرراً للخدمة.
هذا الوضع تسبب في تأخير صرف الحوافز لعدة أشهر، مما أدى إلى تزايد الاستياء والغضب بين العاملين. ورغم هذه الكوارث، لم يتم تحديث أي من المعدات الأساسية (الهاردوير) التي يعتمد عليها نظام ERP حتى الآن، وكأن الإدارة تنتظر تفاقم الأزمة بشكل أكبر.
الجهاز المركزي للمحاسبات يكشف المستور: نقص الكفاءات وتدهور الأداء
لم تقتصر الأزمة على البنية التحتية المادية، بل امتدت إلى مستوى الكفاءات البشرية. تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات فضح حالة التدهور الكارثي التي يعاني منها قطاع نظم المعلومات بالشركة. هذا القطاع الحيوي يعاني من نقص حاد في الكفاءات المتخصصة التي يمكنها الاستفادة من الإمكانيات المتاحة، ما أدى إلى قصور واضح في أداء الواجبات والمسؤوليات.
التقرير أشار إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا التدهور هو سوء التخطيط وغياب الإدارة الرشيدة. فالمال يُنفق بسخاء، لكن النتائج على الأرض تعكس فشلاً ذريعا. فبدلاً من أن تكون منظومة ERP هي الحل الذي تنتظره الشركة، أصبحت عبئًا إضافيًا يفاقم من مشاكلها المتراكمة.
الحكومة ووزارة الكهرباء… شريكان في الفشل والتقاعس
إن تقاعس وزارة الكهرباء والحكومة المصرية في متابعة أداء الشركة القابضة لكهرباء مصر وشركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء تحديداً، يعكس عدم اكتراث واضح بمعاناة المواطنين والعاملين على حد سواء. الحكومة التي كان من المفترض أن تكون حامية للمال العام والمصلحة العامة، اكتفت بدور المتفرج على الفساد الذي يعصف بهذه الشركة.
وزارة الكهرباء، بدورها، لم تقدم أي حلول ملموسة لحل المشكلات المتراكمة في الشركة. بدلاً من ذلك، ظلت تتغاضى عن الفساد المتفشي، وواصلت تبديد الأموال على مشاريع وهمية لا تسفر عن أي تحسن في الأداء. حتى بعد أن كشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن هذه التجاوزات، لم تتحرك الوزارة ولا الحكومة لمحاسبة المتورطين أو إجراء إصلاحات جذرية.
أزمة الحوافز وتأخير المستحقات… فساد يطال حقوق العاملين
العاملون في شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء ليسوا فقط ضحايا الفساد الإداري، بل ضحايا نظام فاشل يسلبهم حقوقهم. تأخر صرف الحوافز لشهور عدة نتيجة الأعطال المتكررة في نظام ERP يعكس بوضوح مدى التدهور الذي وصلت إليه الشركة. هؤلاء العاملون يعتمدون على هذا النظام في الحصول على حقوقهم المالية، ولكنهم يواجهون تأخيراً مستمراً دون أي مبرر منطقي.
الإدارة، بدلاً من أن تسعى لحل المشكلة، تواصل التغطية على فسادها. فالحوافز المتأخرة، والمستحقات التي تتراكم دون أن يتم صرفها في الوقت المناسب، تمثل انعكاساً صارخاً لتقصير الإدارة في الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين. وهذا ليس سوى جزء من الصورة الأكبر التي تعكس انهيار الشركة بالكامل.
الشركة القابضة لكهرباء مصر… إمبراطورية الفساد غير المحاسبة
الشركة القابضة لكهرباء مصر، التي يفترض أن تكون مظلة لحماية مصالح الشركات التابعة لها، أثبتت أنها شريكة في الفساد والتقصير. فرغم علمها بالمشكلات التي تعاني منها شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء، لم تحرك ساكناً. بل على العكس، كانت جزءاً من هذا الفشل المستمر.
الإدارة العليا في الشركة القابضة تتعامل مع هذه الأزمة وكأنها مجرد تفاصيل صغيرة لا تستحق الاهتمام. الأموال تُنفق، المشاريع تُعطل، والعاملون يُحرمون من حقوقهم، وكل ذلك دون أي تدخل يُذكر من قبل الشركة القابضة. هذا السلوك لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تستراً على الفساد، وتواطؤاً في تقاعس الحكومة ووزارة الكهرباء عن القيام بدورهما.
مشروع ERP فشل مدوٍ يكلف الملايين دون نتائج
الحديث عن مشروع ERP يكشف جوانب أكثر قتامة من الفساد. فهذا المشروع الذي كان من المفترض أن يحسن أداء الشركة ويعالج مشاكلها المتراكمة، تحول إلى نموذج صارخ لإهدار المال العام. 8 ملايين جنيه تم إنفاقها على تطوير هذا النظام، ومع ذلك لم يشهد أي تحسينات تذكر. الأعطال متكررة، النظام بطيء في الاستجابة، والخدمات تنقطع بشكل دوري، في حين أن الإدارة تتظاهر بأن الأمور تحت السيطرة.
ليس من المستغرب أن يكون مشروع ERP، الذي تم ترويجه باعتباره الحل السحري لجميع مشاكل الشركة، قد تحول إلى مجرد وسيلة لتمرير الأموال دون نتائج. فبدلاً من أن يتم استغلال هذه الأموال بشكل صحيح لتحديث النظام وتطوير البنية التحتية، تم إنفاقها على مشاريع فاشلة لا تخدم إلا مصالح بعض المتنفذين داخل الشركة.
ضعف الرقابة واستمرار الفساد… الكارثة الحقيقية
أكبر كارثة تواجهها شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء، وربما قطاع الكهرباء بأكمله في مصر، ليست فقط الأعطال أو تأخر صرف المستحقات، بل هي غياب الرقابة والمحاسبة. الفساد مستشرٍ في الشركة على جميع المستويات، والإدارات تواصل العمل دون أي خوف من العقاب.
رغم التقارير الكارثية الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات، والتي فضحت أوجه القصور والفساد، لم تتحرك أي جهة حكومية لمحاسبة المسؤولين أو اتخاذ خطوات جدية للإصلاح. بل على العكس، استمر التستر على المتورطين في الفساد، وأصبحت الشركة نموذجاً للفشل المستمر الذي لا يجد من يتصدى له.
منظومة متدهورة ومستقبل مظلم
الواقع المرير الذي تعيشه شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء يعكس حالة من التدهور الشامل الذي لا يبدو أن هناك نهاية له في الأفق. المشكلات تزداد تعقيداً، والفساد يتغلغل أكثر، في ظل غياب تام لأي حلول جذرية. كل هذا يحدث بينما تتواصل معاناة العاملين والمواطنين الذين يعتمدون على الكهرباء كخدمة أساسية لا غنى عنها.
إذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه، فإن مستقبل شركة الوجه القبلي، بل ومستقبل قطاع الكهرباء بأكمله في مصر، سيكون مظلماً.