فضيحة دبلوماسية: النظام المصري فشل في إقناع ماليزيا بتسليم المعارضين
في خطوة غريبة تصدم القيم الدولية وتكشف عن عمق الأزمة الدبلوماسية التي يواجهها النظام المصري في تعامله مع الدول التي تأوي معارضيه، فشلت محاولات النظام المصري في إقناع ماليزيا بتسليم المعارضين السياسيين المصريين المتواجدين على أراضيها.
محاولة لم تكن سوى حلقة جديدة من سلسلة محاولات فاشلة لتعزيز التضييق على المعارضين المصريين داخل وخارج البلاد. فماليزيا، التي لطالما اعتبرت نفسها حليفاً استراتيجياً في المنطقة، رفضت مقترحاً مصرياً وقع كالصاعقة على الطموحات الأمنية للقاهرة.
الطلب المصري جاء خلال زيارة رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم إلى مصر في نوفمبر الماضي، حيث قدم المسؤولون المصريون اقتراحاً بتوقيع اتفاقية تعاون أمني تسمح بتسليم المعارضين المصريين المتواجدين في ماليزيا، في خطوة كانت تهدف إلى تقوية قبضتهم الأمنية على المعارضين والهاربين من حكمهم الظالم. غير أن المفاجأة كانت في رفض ماليزيا التام لهذا الاقتراح، وهو ما يُظهر حجم التوترات المتزايدة في العلاقات بين البلدين.
ماليزيا ليست مجرد دولة صديقة لمصر، بل هي دولة تلتزم بقيم حقوق الإنسان وتضعها في صدارة أولوياتها. في هذا السياق، كشفت مصادر دبلوماسية أن السلطات الماليزية تحفظت على المقترح المصري بسبب تعارضه مع المبادئ الحقوقية التي تعتمدها ماليزيا، خاصة فيما يتعلق بقضايا المعارضين السياسيين والنشطاء الذين تتعرض حرياتهم للتهديد في مصر.
موقف ماليزيا يعد بمثابة رسالة قوية ضد سياسات القمع التي تتبناها الحكومة المصرية، وهو ما يعكس وجود موقف دولي متزايد ضد نظام السيسي.
رفض ماليزيا لم يكن ليتوقف عند هذه النقطة فقط، بل تضمن تأكيدات واضحة على أن هذا التحفظ لا يعني أي نوع من رفض التعاون في مجالات أخرى.
فعلى الرغم من تحفظاتها على المقترح الأمني، أكدت ماليزيا استعدادها للتعاون مع مصر في عدة مجالات أخرى، مثل مكافحة الإرهاب، ومحاربة الجرائم العابرة للحدود، والتصدي للتهديدات في مجال الأمن السيبراني، بالإضافة إلى التعاون في قضايا الاحتيال المرتبط بالعملات المشفرة. هذه التصريحات تكشف عن الفجوة العميقة بين رغبات الحكومة المصرية في تعزيز قبضتها الأمنية وبين القيم التي تحترمها الدول الأخرى مثل ماليزيا.
وفي الوقت نفسه، جاء موقف ماليزيا ليكشف عن التزامها العميق بالمبادئ الإنسانية، ويُظهر قلقها من الأحكام القضائية التي تصدر ضد المعارضين في مصر، خاصة تلك التي تحمل طابعاً سياسياً وتفتقر إلى العدالة.
ووفقاً لتقارير، فإن ماليزيا تستضيف عدداً من قيادات جماعة الإخوان المسلمين الذين صدرت بحقهم أحكام قاسية بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس الراحل محمد مرسي في عام 2013. هؤلاء المعارضون لا يعتبرون مجرد مهاجرين، بل هم ضحايا لنظام قمعي يستمر في تصعيد حملاته ضد كل من يعارضه، سواء داخل مصر أو خارجها.
إصرار النظام المصري على توقيع اتفاقية تعاون أمني مع ماليزيا يمثل تحولاً في السياسة المصرية التي تسعى إلى تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج.
فبدلاً من التعامل مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخل مصر، يبدو أن السيسي يفضل تصدير مشكلاته إلى دول أخرى، محاولاً الضغط على حلفاءه لتقديم الدعم في قمع المعارضين. لكن فشل هذه المحاولات يعكس هشاشة موقفه في مواجهة الدول التي تحترم حقوق الإنسان والقيم العالمية.
من جهة أخرى، يمكن النظر إلى الموقف الماليزي على أنه مؤشر على تغيير في السياسة الدولية تجاه نظام السيسي. ففي وقت تشهد فيه العلاقات الدولية توتراً غير مسبوق بسبب السياسات القمعية التي ينتهجها النظام المصري، تأتي هذه الخطوة من ماليزيا لتؤكد على أن العالم لن يصمت أمام هذا النوع من الظلم.
فكلما تصاعدت الضغوط الدولية على النظام المصري، زادت عزلته على الساحة الدولية، كما يزداد ضعفه في التعامل مع هذه التحديات.
ورغم أن العلاقات السياسية بين مصر وماليزيا شهدت تحسناً ملموساً خلال زيارة أنور إبراهيم للقاهرة في نوفمبر الماضي، حيث تم الاتفاق على تعزيز التعاون الثنائي ورفع مستوى العلاقات إلى شراكة استراتيجية، إلا أن رفض ماليزيا لهذا المقترح يشير إلى أن هناك حدوداً لا يمكن تجاوزه في العلاقات بين البلدين.
هذا الموقف من ماليزيا يعد بمثابة انتصار لقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، التي ترفض السماح بأي نوع من التعاون في المجالات التي تهدد حقوق الأفراد، وخاصة في القضايا السياسية.
فهو يدل على أن بعض الدول، على الرغم من التحديات والضغوط، لا تزال تتمسك بمبادئها الأساسية، حتى في مواجهة الضغوط من قوى كبرى مثل النظام المصري.
بينما يستمر السيسي في محاولاته إلقاء تبعات سياساته القمعية على الآخرين، فإن الفشل المتكرر لهذه المحاولات سيزيد من عزلته السياسية وسيعزز من صورة النظام المصري كداعم للظلم وانتهاك حقوق الإنسان.
هذه الديناميكية تظهر بشكل صارخ أن الفشل في إيجاد أي نوع من التعاون الأمني مع ماليزيا ليس مجرد خيبة أمل دبلوماسية، بل هو فشل استراتيجي يعكس تدهور سمعة النظام المصري على الساحة الدولية.