لا تزال أزمة نقص السيارات في السوق المصري تزداد تعقيدًا وتسبب تدهورًا كارثيًا للاقتصاد، في ظل حكومة لا تكترث بما يحدث ولا تحرك ساكنًا لمعالجة الأزمة التي تزداد يومًا بعد يوم.
هذه الأزمة ليست مجرد مشكلة اقتصادية عابرة، بل هي نتيجة طبيعية لسياسات حكومية فاشلة وللتقاعس المستمر في إيجاد حلول حقيقية.
وبدلاً من أن تتخذ الحكومة إجراءات جادة، يتابع الجميع كيف تغرق البلاد أكثر في الفساد والتأخير والتلاعب على حساب المواطن.
في الوقت الذي يُفترض أن تتخذ الحكومة قرارات جريئة لحل الأزمة، نجدها تواصل سياسة التعامي التام عن المشكلة، تاركة السوق يواجه الأسوأ. الاستيراد في حالة ركود حاد، والكميات التي تدخل السوق تكاد لا تذكر.
تتوقف الاستيرادات ويتزايد التضخم، وتبقى الحكومة في غيبوبة تامة عن الوضع الذي يزداد سوءًا يومًا بعد يوم. أسعار السيارات تواصل الارتفاع بينما لا يوجد أي تحرك حكومي حقيقي لوقف هذا الانفلات. بل الأكثر فزعًا أن الحكومة تصر على تجاهل القضية الكبرى التي تهدد بتدمير الاقتصاد بشكل غير مسبوق.
أحد أبرز أوجه الفشل الحكومي يتمثل في تعطل الإفراج عن السيارات المحتجزة في الموانئ منذ فترة طويلة. هذا التعطيل ليس بسبب أي مشاكل قانونية أو مخالفات حقيقية، بل هو جزء من سياسة ممنهجة للفساد. السيارات الخاصة بذوي الهمم – والتي هي في الأصل سيارات مخصصة لفئة محرومة من أبسط حقوقها – لا تزال محتجزة في الموانئ، حيث لا يوجد أي سبب منطقي لهذا التأخير، سوى التلاعب بالأوضاع لصالح جهات معينة.
هذه السيارات لا تحتوي على أي مخالفات كبيرة، ومع ذلك تُستمر عملية حجزها إلى ما لا نهاية. أسوأ ما في الأمر هو أن المخالفات الحقيقية التي يتم التركيز عليها لا تتعلق بالسيارات البسيطة، بل تتركز على السيارات الفخمة، ما يبرز تواطؤ البعض مع المافيا التي تتحكم في هذه التجارة.
الفوضى المستمرة في الموانئ ليست إلا وجهًا آخر من أوجه الفساد المستشري في الدولة، حيث يتم تحصيل رسوم غير قانونية بشكل مستمر تحت مسمى “الأرضيات” في الموانئ، وهي رسوم لا تمت بأي صلة للواقع الاقتصادي ولا توازي القيمة الفعلية للسيارات. في بعض الحالات، نجد أن تكاليف هذه الرسوم تتجاوز في بعض الأحيان قيمة السيارة نفسها، مما يجعل من المستحيل على أي مواطن أن يشتري سيارة. هذا الابتزاز المستمر من قبل الشركات في الموانئ ومنظومة الجمارك يساهم في تعميق الأزمة ويؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن ما يحدث في تلك الموانئ هو استنزاف مقصود للموارد.
إن الأزمة لا تتعلق فقط بنقص السيارات أو ارتفاع الأسعار، بل هي أزمة فساد من العيار الثقيل. سياسات الجمارك والموانئ أصبحت مجرد أداة للنهب والابتزاز. الجهات الحكومية في مصر فشلت فشلًا ذريعًا في تنظيم العملية وتوفير حلول للمواطنين. موانئ السيارات تتحول إلى مكان لنهب أموال الناس، حيث يستفيد القلة من عمليات الحجز والرسوم غير القانونية بينما يظل المواطن المصري ضحية لهذه الفوضى. أكثر من ذلك، نجد أن الحكومة، بدلاً من الوقوف في وجه هذه الانتهاكات، تواصل في تغذية هذا الفساد على حساب الشعب.
والأنكى من ذلك أن الحكومة لا تقدم أي حلول تذكر لتخفيف الأعباء عن المواطنين. بدلاً من فرض إجراءات صارمة لضبط الوضع، نجد أن هناك تقاعسًا متعمدًا في مواجهة هؤلاء الفاسدين الذين ينهبون الأموال من خلال الرسوم الفاحشة التي تُفرض على السيارات. هؤلاء الفاسدون لا يهتمون سوى بمصالحهم الشخصية، فيما تظل الحكومة عاجزة عن محاسبتهم أو اتخاذ أي خطوات فعلية للتخفيف من معاناة المواطنين.
وفي الوقت الذي لا تتخذ فيه الحكومة أي خطوات عملية لتخفيف هذه الأعباء، تظل أسعار السيارات في ارتفاع مستمر، بينما يواجه المستهلكون مصيرًا مجهولًا. المشكلة تتفاقم بشكل لا يُصدق، ولا يبدو أن هناك أي أمل في تحسن قريب في الوضع، طالما أن الحكومة تواصل سياسة التراخي هذه.
ولا شك أن كل ما يحدث هو نتيجة لتراكم سنوات من الفساد وسوء الإدارة. إذا كانت هناك جهة مستفيدة من الوضع الحالي، فهي تلك الأطراف الفاسدة التي تسيطر على مراكز القوة في البلاد وتستفيد من عمليات التحصيل غير القانونية. الحكومة لا تملك أي إرادة حقيقية لإصلاح الوضع، بل تساهم في تعميقه، في وقت يفترض فيه أن تكون هي التي تقدم الحلول وتضع حدًا لهذا العبث. إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال، فإن المستقبل الاقتصادي للبلاد سيكون في خطر شديد، وسيظل المواطن المصري يدفع ثمن هذا الفساد والتراخي المستمر.