في جريمة جديدة تُضاف إلى سلسلة الإهمال والفساد المتواصل في الحكومة المصرية، شهدت محافظة أسيوط حادثاً مروعاً على طريق القوصية الزراعي الذي راح ضحيته 14 شاباً وشابة كانوا في طريقهم إلى حياتهم وأحلامهم، ليتحول الطريق الذي كان من المفترض أن يكون وسيلة أمان إلى طريق للموت.
هؤلاء الضحايا، الذين كانت أمامهم أعمار كاملة وحياة مليئة بالآمال والطموحات، سقطوا ضحية فساد وتقصير لا يمكن السكوت عليه.
الحادث وقع نتيجة تصادم مروع بين شاحنة محملة بالإسمنت وميكروباص كان يقل هؤلاء الأبرياء. ولكن، لماذا حدث هذا الحادث؟ السبب ببساطة هو إهمال المسؤولين وتقصيرهم المتعمد. فهذه ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة. في 24 ساعة فقط، وقعت أكثر من 10 حوادث مرورية في محافظات مختلفة، منها ما أسفر عن قتل وإصابة عشرات المواطنين.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي أرواح دُمرت وحياة تحطمت بسبب فساد هيئة الطرق والكباري ووزارة النقل والمواصلات.
الطريق الذي شهد الحادث، والذي يعتبر شرياناً حيوياً في أسيوط، لا يزال يعمل في اتجاه واحد فقط، رغم أن هذا الطريق يشهد مروراً كثيفاً يومياً للمواطنين، من سيارات خاصة، وميكروباصات، ونقل تقيل، مما يزيد من حدة الخطر.
وفي الوقت الذي يجب أن يكون فيه هذا الطريق آمناً ومرتباً، نجد أن هذا الطريق يعمل بأقصى درجات العشوائية والفوضى.
أين كانت هيئة الطرق والكباري؟ أين كان دور وزارة النقل والمواصلات؟ أين كان دور الحكومة المصرية في وضع الحلول اللازمة؟ الجواب ببساطة: لا أحد يهتم.
وزير النقل والمواصلات، كامل الوزير، الذي تولى المسؤولية في عام 2019، حصل على مليارات الدولارات لتطوير الطرق، بالإضافة إلى صيانة هيئة السكة الحديد، ولكنه لم يقدم أي حلول ملموسة. الوزير خرج في تصريحات خجولة ليقول إن مصر حصلت على 10 مليارات دولار منذ عام 2019، وهي قيمة القروض التي تم الحصول عليها، زاعماً أن الأموال ستعود إلى مصر بعد 15 عاماً بفائدة تقل عن 0.1%، وأن مصر ستسدد هذه القروض على مدى 40 سنة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين هي نتائج هذه القروض؟ لماذا لا نرى تطوراً ملموساً على الأرض؟ هل تم إنفاق هذه الأموال على مشاريع حقيقية؟ أم أن المسؤولين في وزارة النقل وهيئة الطرق والكباري يواصلون تكديس الأموال في جيوبهم؟ هذا هو الفساد الذي نراه اليوم.
إن الذي يدفع ثمن هذا الفساد والإهمال هم المواطنون البسطاء الذين يقعون ضحايا لهذا التقاعس الفاضح. هؤلاء الضحايا ليسوا مجرد أرقام في التقارير الحكومية، بل هم شباب وأطفال وأسر فقدت أحبائها بسبب غياب الرقابة وضعف التخطيط وعدم التزام المسؤولين بتنفيذ مشاريع حقيقية. حياة المواطن المصري لا تُقدّر في نظر هؤلاء المسؤولين الذين يقضون حياتهم في مكاتبهم المريحة بينما الدماء تُسفك على الطرقات.
نعود إلى تصريح وزير النقل كامل الوزير الذي يقلل من أهمية الأموال التي تم اقتراضها، ويؤكد أن القروض ستسدد على مدى 40 عاماً، ولكن من دون أن يقدم أي ضمانات بأن هذه الأموال ستعود بالفائدة على المواطن المصري. فبدلاً من أن يتم إنفاق هذه الأموال على صيانة الطرق المتهالكة أو على مشاريع جديدة لتطوير البنية التحتية، نجد أن معظم هذه الأموال إما ضاعت أو تم تحويلها إلى جيوب الفاسدين الذين لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية. هل يمكن لأحد أن يصدق أن مصر حصلت على مليارات الدولارات من القروض، وفي نفس الوقت نعاني من طرق متهالكة تمثل تهديداً مباشراً لحياة المواطنين؟ هل يعقل أن يتم إنفاق هذه المبالغ على مشاريع غير مكتملة أو منخفضة الجودة؟
وبينما وزير النقل يواصل التفاخر بالاتفاقات التي تم عقدها، على أرض الواقع لا نرى سوى فشل ذريع. أين هي الوعود التي قطعها الوزير عندما تولى منصبه؟ أين هي الخطط التي كانت من المفترض أن تحقق تطوراً حقيقياً في شبكة الطرق؟ الحوادث التي تحدث يومياً على الطرق تُظهر بوضوح أن المسؤولين لا يضعون حياة المواطنين في حساباتهم، بل يواصلون الفشل بينما المواطنون يدفعون ثمن هذا الفشل.
الفساد في هيئة الطرق والكباري ووزارة النقل ليس مجرد شائعات، بل هو واقع مرير نعيشه كل يوم. الطرق التي يُفترض أن تكون أداة أمان، أصبحت في ظل الفساد والإهمال وسيلة للموت. المسؤولون في الحكومة لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية، بينما المواطن المصري يتعرض للمخاطر يومياً على الطرق المتهالكة. كيف يتم تفسير ذلك؟ كيف نُقنع أنفسنا بأن هذه الأموال التي تم صرفها على تطوير الطرق في السنوات الماضية تم إنفاقها بشكل صحيح؟ كيف نُبرر الفشل المستمر في تطوير شبكة الطرق؟ والأنكى من ذلك أن المسؤولين يصرون على إنكار فشلهم، ويتنصلون من المسؤولية كأنهم ليسوا جزءاً من هذه الجريمة.
لنفكر في الأمر للحظة: كيف يمكن أن تستمر هذه الفوضى؟ كيف يمكن أن تُترك حياة المواطنين رهينة لإهمال وفساد المسؤولين؟ هذه الحوادث ليست مجرد أحداث عابرة، بل هي شهادة حية على أن النظام في مصر فاسد وغير قادر على حماية حياة المواطنين. فكل يوم يمر، تزداد الحوادث، وتتوالى الأرواح التي تذهب ضحية تقاعس الحكومة المصرية عن القيام بواجباتها. وإذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإننا نواجه مستقبلاً أكثر قتامة.
إلى متى سيظل المواطن المصري يدفع ثمن الفساد والإهمال؟ إلى متى سيستمر الموت على الطرق بسبب تقاعس المسؤولين؟ الحكومة ووزارة النقل والهيئة العامة للطرق والكباري يجب أن يتحملوا مسؤولية هذه الكوارث. المسؤولون الذين فشلوا في إصلاح الطرق يجب أن يواجهوا الحساب على هذا التقاعس. الأرواح التي تُزهق كل يوم ليست مجرد أرقام، بل هي جزء من الشعب المصري، والشعب الذي لا يُحتسب في حسابات المسؤولين هو شعب ضائع. نحن لا نحتاج إلى وعود فارغة، نحن بحاجة إلى أفعال حقيقية. بحاجة إلى محاسبة. حياة المصريين ليست رخيصة، وعلى المسؤولين أن يتوقفوا عن التهرب من المسؤولية.
يجب أن يتحمل كل من وزير النقل كامل الوزير، ومسؤولي هيئة الطرق والكباري، ووزير النقل في حكومات سابقة، المسؤولية عن كل هذه الأرواح التي أُزهقت بسبب الفشل في تنفيذ خطط حقيقية لتطوير شبكة الطرق. هذا الفشل ليس مجرد خطأ، بل هو فساد وإهمال ممنهج، والتقاعس عن اتخاذ أي خطوات جادة نحو الإصلاح هو جريمة في حق الوطن والشعب.