في خطوة غير مسبوقة يراها البعض محاولة لتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بمصر وتزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم قرض ضخم لمصر تبلغ قيمته مليار يورو في إطار اتفاق تم توقيعه في يونيو الماضي.
هذا القرض الذي يُنظر إليه على أنه محاولة لترسيخ التعاون بين الجانبين يتجاوز كونه مجرد مساعدة مالية إذ يتضمن شروطًا تحكم العلاقة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي وتُوّجت على أنه جزء من اتفاقية شاملة للحد من الهجرة غير الشرعية التي باتت تهدد الأمن الأوروبي في السنوات الأخيرة.
هذا التمويل الذي يُدعى أنه استثمار في الاقتصاد المصري يوضع على المحك فهل سيُعيد التوازن للاقتصاد المصري أم سيكون مجرد ورقة ضغط على النظام الحاكم في القاهرة
إن حجم القرض الذي تقدمه المفوضية الأوروبية والذي يُقدر بمليار يورو ليس بالأمر العابر فهو يُرسم ضمن إطار شراكة استراتيجية ويُنظر إليه باعتباره خطوة هامة نحو تعزيز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل هذا المبلغ البسيط مقارنة بحجم أزمة مصر الاقتصادية يمكن أن يكون حلاً جذرياً أم مجرد مسكّن مؤقت
تؤكد المفوضية الأوروبية أن القرض سيُستثمر في مجالات حيوية مثل الطاقة النظيفة والتصنيع والأمن الغذائي فهذه القطاعات التي تعاني من أزمات خانقة بالفعل في مصر باتت في أمس الحاجة إلى هذا النوع من التمويل لتلبية احتياجاتها المتزايدة في مواجهة التحديات الحالية من زيادة معدلات الاستهلاك وتدهور البيئة إلى نقص الموارد الغذائية والأزمات المتعلقة بسوق العمل المصري.
إلا أن هذا الاستثمار وإن كان ذا أهمية لا يُعدّ حلًا مباشرًا للتحديات المعيشية اليومية التي يعاني منها المواطن المصري خصوصًا في ظل أزمات العملة الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام
أعلنت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية عن أن القروض ستكون بمثابة تمهيد لخلق “بيئة أعمال أقوى” وزيادة الاستثمارات الخاصة مما يترتب عليه توفير المزيد من الوظائف الجيدة للمواطنين في مصر.
لكن ما يلفت الانتباه هو تكرار هذه العبارة دون الإشارة إلى آليات ملموسة يمكن أن تضمن نجاح هذا المشروع على أرض الواقع. كيف ستحقق هذه الاستثمارات الوعود المعلنة وهل من الممكن أن تتواكب مع أزمة البطالة المستفحلة في البلاد والتي تهدد استقرار الأوضاع الاجتماعية
من جانب آخر يبرز السؤال الأهم عن حقيقة الدعم الذي يمكن أن يقدمه الاتحاد الأوروبي للجانب المصري في ما يتعلق بالإصلاحات المحلية التي يطالب بها الشعب المصري فالمساعدات المالية التي وعد بها الاتحاد الأوروبي تدعي دعم “أجندة الإصلاح” ولكن ما الذي سيحدث على الأرض بعيدًا عن التصريحات الفارغة التي لا تلامس الواقع المصري
مع استمرار الضغوط الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع العملة المحلية فإن التوقعات بشأن نتائج هذا القرض تتراوح بين التفاؤل الحذر والشكوك الكثيرة حول إمكانية تحقق وعود أوروبا.
هل سيشعر المواطن المصري بتأثير هذا التمويل في حياته اليومية أم أن الفجوة بين الوعود والواقع ستكون واسعة كما هي الحال مع العديد من الاتفاقات السابقة التي لم تكن أكثر من اتفاقيات مبدئية سرعان ما تبخرت بعيدًا عن أرض الواقع
النظام المصري الذي يعاني من أزمة سياسية واقتصادية خانقة ربما يسعى للاستفادة من هذا التمويل على أمل تجاوز بعض مشكلاته الداخلية إلا أن السؤال المحوري يبقى حول ما إذا كان هذا القرض سيُحسن من واقع المواطن أم أنه مجرد خطوة سياسية من جانب الاتحاد الأوروبي لتوسيع نفوذه في المنطقة.
فبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية تعيش مصر حالة من القلق السياسي من جراء التوترات الداخلية والضغوط التي يواجهها النظام الحاكم جراء فقدان الثقة في سياساته الاجتماعية والاقتصادية.
من غير المستبعد أن تكون هذه المساعدات بمثابة اختبار آخر لإمكانية تحسن الوضع الاقتصادي في مصر. وقد يواجه الشعب المصري صعوبة في التأقلم مع الأوضاع التي يبدو أنها ستظل تتدهور مع مرور الوقت
فالقروض التي يتم منحها ليست الحلول السحرية للمشاكل البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد المصري فهل سيتحول هذا القرض إلى قنبلة موقوتة تعمق الفجوة الاقتصادية أم ستظل مصر في دائرة المساعدات الدولية دون أن تخرج منها
إلى جانب ذلك تزداد التساؤلات حول تأثير هذا القرض على الهجرة غير الشرعية خاصة وأن الاتحاد الأوروبي قد ربط هذه المساعدات بمعالجة قضايا الهجرة بشكل أكبر فهل يتم استغلال هذا القرض كورقة ضغط إضافية على مصر لتشديد إجراءات الهجرة؟
هل ستجبر مصر على تقليص تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا بينما تستمر الأوضاع الاقتصادية داخلها في التدهور
إجمالًا يظل هذا القرض مجرد جزء من معادلة معقدة لم تُحسم نتائجها بعد فبينما يراه البعض مخرجًا اقتصاديًا قد يتحول في المستقبل إلى عبء إضافي على الاقتصاد المصري الذي لا يزال يعاني من عدم استقرار داخلي.