في مشهد يعكس بوضوح حجم الفساد المستشري والتقاعس المزمن، يواجه مستشفى الكهرباء بألماظة، التابع للشركة القابضة لكهرباء مصر، أزمة كارثية تهدد حياة العاملين والمرضى.
الفساد والإهمال في المستشفى بلغ مستوى لا يمكن تجاهله بعد سلسلة من الفضائح التي تكشف تدهور الوضع الصحي داخل هذه المنشأة الحيوية، في ظل غياب الرقابة وتجاهل القيادات المسؤولة، بما في ذلك وزارة الكهرباء والحكومة المصرية، التي يبدو أنها تدير ظهرها لكل التحذيرات الصارخة التي تتوالى.
الفساد في مستشفى الكهرباء: انتشار الفئران وأجهزة متهالكة
بدأت الفضيحة من إدارة التغذية في المستشفى التي اكتشفت وجود فئران داخل مخزن المواد الجافة. نعم، فئران تتجول في مكان تخزين الأغذية المخصصة للمرضى والعاملين، في واقعة تؤكد مدى الإهمال الجسيم وعدم الاكتراث بصحة البشر.
ورغم التقاط الفأر باستخدام لاصق الفئران والتخلص منه، إلا أن الكارثة لم تنتهِ، حيث تم العثور على فأر آخر في محطة غسيل الأدوات. هذا المشهد يعكس حالة الانهيار التي تعيشها المستشفى، والتي من المفترض أنها تخضع لإشراف الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء.
هذا الأمر ليس حادثًا عابرًا بل هو جزء من سلسلة من المشكلات التي تضرب إدارة التغذية في المستشفى. على سبيل المثال، تلفت أواني الطهي المستخدمة في إعداد الأطعمة، ومنها أواني الطهي البخاري “Steam” التي يُطهى فيها اللحوم والمعجنات، دون أي تدخل يُذكر لإصلاحها منذ أكثر من شهر.
على الرغم من إبلاغ الفنيين المتواجدين في المطبخ وإرسال تقارير عديدة للإدارة الهندسية، لم يحدث أي تحرك فعلي لحل المشكلة. تأخير الإصلاحات أدى إلى تعطيل العمل وزيادة معاناة المرضى والعاملين.
الأجهزة المتهالكة: تهديد مباشر لصحة العاملين والمرضى
الفساد والإهمال لم يقف عند انتشار الفئران فقط؛ بل امتد ليشمل أجهزة التبريد والتخزين الحيوية التي تُعد أساسًا لحفظ المواد الغذائية في حالة سليمة. ثلاجات المستشفى، التي من المفترض أن تعمل بكفاءة عالية لحفظ الطعام، أصبحت عاطلة أو شبه معطلة.
البعض منها يعمل “بكفاءة متوسطة”، والبعض الآخر يتوقف عن العمل فجأة بسبب انتهاء عمرها الافتراضي، ما يؤدي إلى فساد الأطعمة وتلفها. وكأن هذا ليس كافيًا، فإن هذه الثلاجات ملوثة بالبكتيريا والفطريات بسبب عدم تجديد دهاناتها التي تحافظ على نظافتها.
وعلى الرغم من أن المستشفى بأكمله يحتوي على ديب فريزر واحد فقط يستخدم لتخزين العديد من الأصناف الغذائية، إلا أن هذا الديب فريزر نفسه ليس كافيًا لتغطية احتياجات المستشفى، ما يجعل النظام بأكمله عرضة للفشل وتلف الطعام بسرعة، وهذا يعني خسائر كبيرة في المواد الغذائية.
الأفران والأسلاك المكشوفة: خطر الموت الصامت
تزداد الصورة قتامة عندما نصل إلى الأفران والمعدات الأخرى في المطبخ، التي تآكلت وأصبحت غير قادرة على العمل بكفاءة. بل الأسوأ من ذلك هو وجود أسلاك كهربائية مكشوفة في المطبخ، ما يعرض العاملين لخطر الصعق الكهربائي في أي لحظة.
كيف يمكن لأي شخص أن يعمل في بيئة تفتقر إلى أدنى معايير السلامة؟ الأسوأ من كل ذلك هو تجاهل المستشفى لصيانة الفلاتر الداخلية للأنظمة التهوية، ما يجعل المكان مليئًا بالهواء الملوث الذي يمكن أن يحمل الأمراض الخطيرة. تنظيف الفلاتر الخارجية يتم بواسطة العاملين بأنفسهم، لكن الفلاتر الداخلية، التي تتطلب تدخل شركة متخصصة لتنظيفها، تبقى متروكة دون صيانة، مما يزيد من خطورة الوضع على صحة المرضى والعاملين.
تصريحات كاذبة من وزير الكهرباء وتواطؤ المسؤولين
في أغسطس الماضي، قام الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، بزيارة إلى مستشفى الكهرباء، وأدلى بتصريحات صادمة تعكس انفصاله التام عن الواقع.
حيث زعم الوزير أن المستشفى تمتلك كافة المقومات لتكون واحدة من كبرى المستشفيات التي تخدم العاملين في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة.
كما قدم الشكر للدكتور محمد إسماعيل، رئيس شركة الخدمات الطبية التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر، على جهوده في تحسين الخدمات الطبية. ولكن، كيف يمكن أن تكون هذه الادعاءات صحيحة في ظل هذه الكوارث الصحية التي تعيشها المستشفى؟ هذه التصريحات ليست فقط كاذبة، بل تفضح تواطؤ المسؤولين في تغطية الفساد والإهمال بدلاً من معالجته.
القيادات والرفاهية بالخارج: مناقشة “الجوانب الفنية” أم رحلة علاجية؟
بينما يعاني العاملون والمرضى في مستشفى الكهرباء من ظروف معيشية وصحية كارثية، تظهر القيادات العليا في الشركة القابضة لكهرباء مصر وهي تستمتع بالعلاج الفاخر في الخارج.
المحاسبة نادية قطري، العضو المتفرغ للشئون المالية والتمويل، ومحمود النقيب، ذراعي المهندس جابر دسوقي، رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، تم إرسالهما إلى ألمانيا بحجة مناقشة الجوانب الفنية والمالية مع شركة سيمنس الألمانية بشأن محطات الطاقة التي أنشأتها الشركة.
هذا السفر المتكرر ليس الأول من نوعه، فقد سبق وتكررت هذه الزيارات التي يتساءل العاملون في قطاع الكهرباء حول جدواها الحقيقية. المؤكد من شهادات العاملين أن هذه الزيارات ليست إلا ستارًا يخفي وراءه رحلات علاجية فاخرة لهؤلاء القيادات، بينما يتجاهلون الإهمال المتواصل في مرافق المستشفى.
العاملون نصحوا نادية قطري، التي تجاوزت السبعين من عمرها، بالتوجه إلى مستشفى الكهرباء في ألماظة للعلاج هناك بدلاً من السفر إلى الخارج، خصوصًا أنها طالما دافعت عن جودة الخدمات التي تقدمها المستشفى.
ولكن من الواضح أن نادية قطري تعرف جيدًا أن تلك الخدمات بعيدة كل البعد عن الجودة التي تروج لها، وهي نفسها لا تثق فيها.
الفساد الإداري والإهمال: الواقع الصادم لمستشفى الكهرباء
إن كل هذه الفضائح التي كشفتها التقارير عن مستشفى الكهرباء بألماظة تضع الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية تحت مجهر التساؤل حول مدى تورطهم في هذا الفساد.
كيف يمكن لقيادات وزارة الكهرباء والشركة القابضة أن تتجاهل هذه المشكلات الخطيرة؟ وأين الرقابة والمحاسبة على هذا الفساد الذي يتفاقم يومًا بعد يوم؟ إنه من الواضح أن هناك تواطؤًا واضحًا بين القيادات المتورطة في هذه الفضائح، وأن الحكومة لا تقوم بأي دور فعلي لمعالجة الفساد أو حماية صحة العاملين والمرضى.
الأجهزة المتهالكة، الفئران في المخازن، الأسلاك المكشوفة، الأطعمة الفاسدة، وتلكؤ الإدارة في إجراء الإصلاحات الضرورية، كلها أمور تعكس مستوى غير مسبوق من الإهمال واللامبالاة بحياة الناس.
الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء مسؤولتان مباشرة عن هذه الكارثة، والحكومة المصرية شريكة في هذا الفساد بسبب تقاعسها عن محاسبة المسؤولين.
مطالبات العاملين: كفى فسادًا وتخاذلاً
إن العاملين في قطاع الكهرباء، الذين يشعرون بالغضب والسخط من هذا الوضع، يطالبون بإصلاحات جذرية وفورية في مستشفى الكهرباء بألماظة، وبضرورة محاسبة القيادات المتورطة في الفساد والإهمال.
كما يطالبون بإصلاح شامل للأجهزة والمعدات الطبية والغذائية في المستشفى، وضرورة استبدال الثلاجات المتهالكة والأفران القديمة، وإعادة تهيئة المرافق لضمان سلامة المرضى والعاملين. هناك حاجة ماسة لتدخل الحكومة بشكل حاسم لإصلاح هذا الوضع الكارثي، لكن هل ستتخذ الحكومة خطوات حقيقية، أم ستستمر في تجاهل صرخات العاملين والمرضى كما فعلت دائمًا؟
فساد وإهمال متواصل، والحكومة غائبة
من الواضح أن الأزمة التي تعيشها مستشفى الكهرباء بألماظة هي نتيجة مباشرة للفساد المستشري والتقاعس المستمر من قبل وزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.
هذا الفساد والإهمال يهددان صحة وحياة آلاف العاملين والمرضى الذين يعتمدون على هذه المستشفى. وبينما تستمر القيادات في الاستمتاع بعلاجهم في الخارج على حساب المال العام، يظل العاملون والمرضى يعانون في ظروف صحية خطيرة داخل المستشفى.
من أجل إصلاح هذا الوضع، لابد من اتخاذ إجراءات حاسمة لمحاسبة المسؤولين عن هذا الفساد وإجراء إصلاحات جذرية في المستشفى.
ولكن حتى ذلك الحين، سيبقى الوضع على ما هو عليه، وستستمر مأساة العاملين والمرضى الذين لا حول لهم ولا قوة في مواجهة فساد وإهمال لا يرحم.