تقاريرمصر

صفقة أسلحة أمريكية لمصر بقيمة 5.35 مليار دولار وسط تجاهل لحقوق الإنسان

في خطوة مفاجئة ومدوية قد تثير جدلا واسعا على الساحة الدولية والمحلية أعلنت الإدارة الأميركية موافقتها على صفقة تسليح ضخمة لمصر بقيمة تفوق 5 مليارات دولار يأتي هذا التطور في ظل أجواء توتر عالمي وإقليمي وتزامنا مع تصاعد حدة الحرب على غزة التي تمثل اختبارا جديدا للعلاقات المعقدة والمتشابكة بين واشنطن والقاهرة

وبينما كانت الولايات المتحدة قد تعهدت سابقا بمواقف أكثر حدة تجاه ملف حقوق الإنسان في مصر تظهر هذه الصفقة أن المعايير السياسية والعسكرية قد طغت مرة أخرى على تلك الالتزامات المعلنة

الصفقة تشمل تجهيزات عسكرية متقدمة أبرزها 555 دبابة من طراز “ايه1أم1 أبرامز” بقيمة تصل إلى 4.69 مليارات دولار وهي دبابات مصممة لمهام القتال المتقدم وتعزز القدرات العسكرية لمصر بشكل غير مسبوق في ظل تحديات أمنية متصاعدة بالمنطقة إلى جانب ذلك تم الإعلان عن بيع 2183 صاروخا من طراز “هلفاير” بقيمة 630 مليون دولار وهي صواريخ جو-أرض تتميز بقدرتها على استهداف الأهداف بدقة عالية مما يجعلها أحد الأدوات الرئيسية في ترسانة مكافحة الإرهاب وأخيرا تم تضمين ذخائر موجهة بقيمة 30 مليون دولار في الصفقة لتعزيز إمكانيات القوات الجوية المصرية

الولايات المتحدة من جانبها أكدت عبر بيان صادر من وزارة الخارجية أن هذه الصفقة تأتي في إطار تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين حيث وصفت مصر بأنها “شريك استراتيجي مهم” وأن هذه المساعدة ستعزز الأمن القومي الأميركي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة عبر دعم أمن مصر وهي دولة تعتبر حليفا رئيسيا خارج حلف شمال الأطلسي وهذه التصريحات تشكل تبريرا رسميا للدور الكبير الذي تلعبه مصر في الشرق الأوسط على الساحة الإقليمية والدولية لكن هذه التبريرات لم تخفف من الانتقادات الموجهة للإدارة الأميركية

الجدير بالذكر أن هذه الصفقة تأتي وسط تناقض صارخ مع تعهدات الرئيس الأميركي “جو بايدن” الذي وعد منذ توليه منصبه في عام 2021 باتخاذ موقف حازم تجاه الحكومة المصرية بزعامة الرئيس عبد الفتاح السيسي خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان لكن منذ ذلك الحين بدا أن واشنطن تراجعت عن تلك الوعود حيث شهدنا موافقات متتالية على صفقات تسليح ضخمة لمصر في السنوات الأخيرة ما يؤكد أن المصالح الاستراتيجية والأمنية تفوقت مرة أخرى على ملفات حقوق الإنسان التي كانت الإدارة الأميركية ترفعها كورقة ضغط ضد العديد من الحكومات

ومما يزيد الأمور تعقيدا هو الوضع الحقوقي داخل مصر فقد عفت السلطات المصرية خلال العامين الماضيين عن العديد من السجناء السياسيين في خطوة وُصفت بأنها محاولة لتحسين الصورة أمام المجتمع الدولي إلا أن تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أن عدد السجناء السياسيين الذين تم اعتقالهم خلال الفترة ذاتها يفوق بكثير عدد من تم الإفراج عنهم مما يثير تساؤلات حول نوايا السلطات المصرية في التعامل مع هذا الملف الحساس ورغم ذلك يبدو أن هذه القضايا لم تشكل عائقا أمام المضي قدما في صفقات السلاح بين البلدين

لا يمكن النظر إلى هذه الصفقة بمعزل عن التطورات الإقليمية فقد أدت الولايات المتحدة ومصر خلال الأشهر الماضية دورا محوريا في جهود الوساطة الرامية إلى وقف الحرب على غزة حيث حاول الطرفان التوصل إلى تهدئة مستدامة للصراع المتصاعد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وتدرك واشنطن جيدا أن مصر تملك نفوذا قويا على بعض الأطراف الفاعلة في قطاع غزة مما يجعل التعاون بين البلدين ضروريا لضمان استقرار المنطقة ورغم كل الانتقادات التي تواجهها إدارة بايدن فإن العلاقة بين القاهرة وواشنطن تتعمق بشكل أكبر مع كل تطور جديد على الساحة الإقليمية

الأسئلة التي تطرح نفسها الآن هل ستتمكن الولايات المتحدة من التوفيق بين مصالحها الأمنية والاستراتيجية وبين التزاماتها الأخلاقية المتعلقة بحقوق الإنسان وهل سيكون لصفقة السلاح الضخمة هذه تأثير سلبي على صورة واشنطن أمام المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية وما هو موقف الشعب المصري من هذه الصفقات التي تأتي في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة تعاني منها البلاد وتزيد من أعباء المواطن المصري

الأزمة لا تتعلق فقط بصفقة تسليح بل تكشف أيضا عن سياسة أميركية تعتمد على ازدواجية المعايير فمن جهة يتم الضغط على بعض الحكومات بشأن حقوق الإنسان ومن جهة أخرى يتم تعزيز تحالفات استراتيجية مع دول تمارس انتهاكات حقوقية بشكل علني ومع ذلك يبدو أن لعبة المصالح هي التي تحكم السياسة الدولية في نهاية المطاف

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى