في خطوة مثيرة للجدل، جرت مؤخراً محادثات بين وزير النقل المصري كامل الوزير والسفير الماليزي في القاهرة محمد تريد سفيان، لمناقشة تعزيز التعاون بين البلدين في قطاع الصناعة وزيادة الاستثمارات الماليزية في السوق المصري.
يأتي هذا اللقاء في إطار متابعة نتائج زيارة رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم إلى مصر في نوفمبر 2024، التي قد يُظن بأنها كانت مناسبة للإعلان عن شراكة استراتيجية واعدة.
لكن الحقيقة أن هذه الوعود بالاستثمارات والتعاون الصناعي لا تعدو كونها تصريحات دون تنفيذ واضح على أرض الواقع.
شعارات بلا تنفيذ وأمنيات لم تتحقق
الحديث عن تحول مصر إلى مركز صناعي إقليمي هو مجرد حلم بعيد المنال. رغم التأكيد المستمر من المسؤولين المصريين عن الانفتاح الكامل على الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك المال الماليزي، إلا أن الواقع يكشف عن مشاكل هيكلية مستمرة في القطاع الصناعي المصري. الحكومة المصرية تسعى للإعلان عن خطط طموحة لتطوير الصناعة، لكنها تتجاهل تمامًا العقبات التي تواجه تنفيذ هذه الخطط على أرض الواقع، بدءًا من البيروقراطية المعقدة وصولًا إلى نقص الحوافز الفعالة. وهذا ما جعل العديد من المستثمرين، بما في ذلك الماليزيين، يكتفون بتبادل الوعود ولا يتخذون خطوات ملموسة نحو تنفيذ الاستثمارات.
الماليزيا لن تكون المنقذ
حتى الآن، تبدو النوايا المالية الماليزية تجاه مصر أكثر من كونها واقعًا. قد تكون ماليزيا قد أكدت نواياها خلال هذه اللقاءات، لكن الفرص الفعلية في قطاع الصناعة المصرية لا تزال ضبابية، بل والمخاطر التي تهدد الاستثمارات الأجنبية في مصر تزداد يومًا بعد يوم. الوزير كامل الوزير تحدث عن تعزيز التعاون، لكن لم يقدم أي تفاصيل محددة حول القطاعات التي ستستفيد من هذه الشراكة. هل ستكون هذه الاستثمارات في الصناعات الثقيلة؟ أم في التكنولوجيا المتقدمة؟ الإجابة كانت غائبة عن الطاولة، كما هو الحال مع معظم التصريحات الحكومية التي لا ترتبط بخطط واضحة المعالم.
تصريحات بلا مضمون وتأخير مستمر
الحديث عن تسريع وتيرة تنفيذ الاتفاقات بين البلدين هو مجرد حديث عابر لا يعكس واقعًا. ففي حين يتم التأكيد على التعاون بين وزارتي الصناعة في مصر وماليزيا، لا تزال الإجراءات البيروقراطية في مصر تعيق حركة الاستثمارات وتؤدي إلى بطء في تنفيذ أي مشاريع. المستثمر الماليزي قد يتردد في المخاطرة في سوق يشهد تقلبات اقتصادية، وبيئة قانونية غير مستقرة، وتضاربًا مستمرًا في السياسات. وقد يكون من الأفضل أن تسعى الحكومة المصرية إلى معالجة هذه التحديات قبل الإعلان عن وعود استثمارية غير محققة.
أين هي النتائج على الأرض؟
التعاون الصناعي بين مصر وماليزيا قد يبدو من الخارج على أنه خطوة كبيرة نحو النهوض بالاقتصاد المصري، ولكن في الحقيقة لا يوجد ما يثبت أن هذه الشراكة ستثمر عن نتائج ملموسة. مصر بحاجة ماسة إلى تحديث بنيتها التحتية الصناعية، ولا يكفي فقط أن يتم الحديث عن خطط طموحة في المناسبات الرسمية. المسؤولون المصريون قد يروجون لمثل هذه الاتفاقات بهدف جذب الأنظار، لكن الأهم هو التنفيذ الفعلي لهذه الوعود. التصريحات بأن مصر في طريقها لتكون مركزًا صناعيًا إقليميًا تبدو بعيدة عن الواقع ما لم يتم التعامل مع القضايا الأساسية، مثل تنمية المهارات المحلية، وتسهيل الإجراءات، وضمان استقرار السياسات الاقتصادية.
الصناعة المصرية: طريق مسدود إلا إذا…
مصر، رغم ما تروج له من طموحات صناعية، تظل بحاجة إلى إصلاحات جوهرية في النظام الصناعي. التحديات الهيكلية العميقة التي يعاني منها القطاع الصناعي في مصر تتطلب حلولًا عملية جادة. لو كانت مصر حقًا تسعى للتحول إلى مركز صناعي إقليمي، فكان يجب أن ترى المشاريع الصناعية الكبرى تتحقق، ولكن في الواقع، ما نراه هو المزيد من الوعود التي تظل حبرًا على ورق.
خلاصة مؤلمة .. الحقيقة المرة
في الختام، تبقى الشراكة بين مصر وماليزيا في مجال الصناعة مجرد ورقة ضغط سياسية لا أكثر. الأمل في أن تصبح مصر مركزًا صناعيًا إقليميًا لن يتحقق ما لم يتم إزالة العوائق التي تقف أمام هذا التحول، من فساد إداري إلى تدهور في البنية التحتية وتلك السياسات الاقتصادية المترنحة التي تضر أكثر مما تفيد. بينما تُستغل هذه اللقاءات من قبل المسؤولين المصريين لعرض صورة زائفة عن التعاون الدولي، يبقى السؤال الأهم: متى سنشهد تحركًا فعليًا على الأرض؟