تقاريرمصر

الحكم بعدم دستورية فرض رسوم النظافة على فواتير الكهرباء يكشف فساد حكومة مدبولي

الحكم القضائي الذي صدر من المحكمة الدستورية العليا منذ شهرين بعدم دستورية قرار المحافظين بفرض رسوم النظافة على فواتير الكهرباء، يمثل نقطة فاصلة في المسار القانوني والإداري الذي اتبعته الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.

هذا الحكم، الذي لا يقبل الطعن، كشف مدى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وألقى الضوء على سياسة الجباية غير القانونية التي انتهجتها الحكومة على مدار سنوات، مما أثار موجة من الاستياء بين المواطنين.

وبينما يختار المسؤولون التزام الصمت، يكشف الحكم عن تواطؤ مريب بين المسؤولين الحكوميين والشركة القابضة لفرض رسوم لا أساس قانوني لها، في انتهاك صارخ لحقوق المواطنين.

القرار القضائي، الذي شمل الحكم بعدم دستورية فرض هذه الرسوم، وضع الحكومة ووزارة الكهرباء والشركة القابضة في موقف بالغ الحرج، حيث أصبحت كل من هذه الجهات في موضع مسؤولية قانونية عن هذه الرسوم غير القانونية. فبدلاً من أن يتخذ المسؤولون خطوات فورية لإلغاء هذه الرسوم، اكتفى المتحدث الرسمي لوزارة الكهرباء في ذلك الوقت بالتصريح بأن الأجهزة المختصة والإدارة القانونية لم تتلقَ أي أحكام بهذا الشأن حتى لحظة صدور البيان. هذا التصريح الغريب يعكس التقاعس المتعمد من قبل وزارة الكهرباء والشركة القابضة عن تنفيذ الأحكام القضائية، بل ويؤكد أن الوزارة تعمل وفقًا لتعليمات رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، التي تنص على استمرار تحصيل رسوم النظافة حتى يتم اتخاذ الإجراءات التنفيذية التي تتماشى مع الحكم القضائي.

بالرغم من أن وزارة الكهرباء حاولت إضفاء طابع الشرعية على قراراتها، إلا أن القانون الذي يستند إليه الحكم الدستوري واضح في أن الضرائب والرسوم لا تُفرض إلا بقانون يصدر عن البرلمان المصري، ولا يجوز إصدار هذه الرسوم عبر قرارات إدارية، حتى وإن كانت تلك القرارات صادرة عن وزير الكهرباء أو رئيس الوزراء. هذا يعني أن جميع ما تم تحصيله من رسوم نظافة على فواتير الكهرباء منذ عام 2003 وحتى اليوم يُعد مخالفًا للدستور، ما يستدعي المحاسبة القانونية للجهات المتورطة في هذا الإجراء المخالف.

منذ البداية، كانت هناك تساؤلات كثيرة حول سبب فرض رسوم النظافة على فواتير الكهرباء. فقد بدأت هذه الرسوم في عام 2003، عندما تم التعاقد بين هيئة النظافة بالقاهرة ووزارة الكهرباء لتحصيل رسوم النظافة مقابل نسبة من التحصيل تصل إلى حوالي 5% من إجمالي المبالغ المحصلة. ومع مرور السنوات، تحولت هذه الرسوم إلى عبء إضافي على المواطنين، وارتفعت المبالغ المدفوعة مع الوقت، ما أثار غضب العديد من المواطنين الذين فوجئوا بإضافة هذا البند على فاتورة الكهرباء دون أي مسوغ قانوني. ورغم تصريحات المسؤولين بأن هذه الرسوم تهدف إلى تمويل خدمات النظافة، إلا أن الواقع كان مغايرًا تمامًا، حيث كانت الشوارع تعاني من الإهمال، والقمامة تتراكم في الأحياء السكنية، مما أثار غضب المواطنين الذين بدأوا في التساؤل عن مصير هذه الأموال.

المواطنون الذين يملكون عدادات كهرباء قديمة أو مسبقة الدفع كانوا الأكثر تأثرًا بهذا الوضع، حيث تم تحصيل رسوم النظافة منهم شهريًا عبر فواتير الكهرباء، دون أن يقدم لهم أي من هذه الخدمات. هؤلاء المواطنون أصبحوا يواجهون مأزقًا حقيقيًا حول مصير هذه الأموال، خصوصًا بعد صدور الحكم القضائي الذي قضى بعدم دستورية فرض هذه الرسوم. تساؤلاتهم كانت مشروعة، هل سيتم رد الأموال التي تم تحصيلها منهم على مر السنين؟ وهل ستقوم وزارة الكهرباء بإعادة النظر في هذه الممارسات وتطبيق حكم المحكمة؟ لكن للأسف، لم تلقَ هذه التساؤلات إجابات شافية من أي جهة حكومية، مما يثير شكوكًا عميقة حول نية الحكومة في تنفيذ حكم المحكمة.

المواطنون الذين يملكون فواتير كهرباء متراكمة منذ سنوات يتساءلون الآن: ماذا سيفعلون بهذا المال الذي دفعوه كرسوم نظافة دون أن يتلقوا أي خدمة مقابله؟ وهل سيتم إعادة هذه المبالغ إليهم أم ستستمر الحكومة في تجاهل حقوقهم؟ هذه الأسئلة تكشف عن معاناة حقيقية لملايين المصريين الذين يعانون من فقر الخدمات في الشوارع والأحياء السكنية، وفي نفس الوقت يُجبرون على دفع رسوم ليس لها أساس قانوني. على منصات التواصل الاجتماعي، كان هناك الكثير من السخرية والتهكم على هذه الرسوم، حيث كتب أحد المستخدمين “مبروك علينا رسوم النظافة 40 جنيهًا، هل سيدخل العامل لجمعها من منازلنا؟” بينما وصف آخر الحكومة بـ”حكومة جباية”، في إشارة إلى استغلالها للمواطنين في تحصيل رسوم غير قانونية في وقت يعاني فيه الشعب من أعباء اقتصادية ضخمة.

من جهة أخرى، كان هناك من اعتبر قرار فرض هذه الرسوم خطوة غير مبررة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة. ومع فرض هذه الرسوم، زادت الاعتراضات على ربط الرسوم بشريحة استهلاك الكهرباء، حيث أصبح المواطن مضطرا لدفعها حتى لا يتعرض لقطع الكهرباء. وقال أحد المواطنين في هذا السياق “الكارثة ليست في رسوم النظافة، ولكن أين هي النظافة؟”، في إشارة إلى غياب أي خدمات نظافة حقيقية في الشوارع رغم فرض هذه الرسوم. وكانت هذه الانتقادات تعكس حالة الإحباط التي يعيشها المواطنون الذين لا يرون أي تحسن في الخدمات العامة رغم الأموال التي يتم تحصيلها منهم.

في الوقت الذي كان فيه بعض المواطنين يعبرون عن استيائهم من هذه الرسوم، كان آخرون يتساءلون عن سبب ربط هذه الرسوم باستهلاك الكهرباء، حيث اعتبروا أن هذا ربطًا قسريًا لا مبرر له. وقد كتب أحد المغردين قائلاً: “سؤال بريء، رسوم النظافة أصبحت 40 جنيهًا، هل ستقوم الحكومة بتعيين عمال لجمعها، أم سندفع مرتين واحدة للحكومة وأخرى لعامل النظافة؟”، وهو تساؤل يحمل في طياته استهجانًا من أسلوب الحكومة في فرض الرسوم دون تقديم خدمة فعلية مقابلها.

وعلى الرغم من هذه الانتقادات الواسعة، لم يظهر أي رد من وزارة الكهرباء أو الحكومة بشأن كيفية التعامل مع هذا الحكم القضائي أو ما إذا كان سيتم رد الأموال المحصلة من المواطنين. وفي ظل هذا الغموض، تبدو الحكومة في موقف محرج للغاية، حيث تواصل التمسك بسياسة فرض الرسوم غير القانونية دون الاهتمام بتنفيذ الأحكام القضائية أو الاستماع إلى مطالب الشعب.

إن الحكم القضائي الذي صدر بعدم دستورية فرض رسوم النظافة على فواتير الكهرباء يمثل فوزًا للمواطنين الذين عانوا طيلة السنوات الماضية من هذه الرسوم الظالمة. هذا الحكم يجب أن يكون بداية لمرحلة جديدة من الشفافية والمحاسبة في التعامل مع الأموال العامة، ويجب أن تتحمل الجهات المسؤولة عواقب هذه المخالفات القانونية التي ارتكبت بحق المواطنين. وفي الوقت نفسه، يجب على الحكومة ووزارة الكهرباء أن تلتزما بالقانون، وأن تبدأ في اتخاذ الإجراءات التنفيذية التي تضمن تطبيق حكم المحكمة على أرض الواقع.

ويبقى السؤال الأكبر: هل ستلتزم الحكومة ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر بتنفيذ حكم المحكمة، أم ستواصل تجاهل الحقوق القانونية للمواطنين؟ هل ستبقى هذه المؤسسات في حالة تراخٍ، أم ستعمل على تصحيح المسار وتحقيق العدالة للمواطنين الذين عانوا طويلاً من سياسات الجباية غير القانونية؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى