خفضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني توقعاتها لنمو الاقتصاد المصري في السنة المالية الحالية 2025/2024 إلى 3.7% بدلاً من 4.2%، في خطوة تعكس الأداء الضعيف للاقتصاد المصري في الأشهر الأخيرة، وأسباباً تتعلق بتراجع حركة الملاحة في قناة السويس.
في تقريرها الأخير، قالت وكالة “فيتش” إن التوقعات المعدلة جاءت نتيجةً للأداء الضعيف الذي سجلته العديد من القطاعات الاقتصادية في الربع الأخير من السنة المالية الماضية، مع الأخذ في الاعتبار أن قناة السويس، التي تعتبر أحد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية في البلاد، شهدت انخفاضاً كبيراً في حركة السفن.
فإيرادات القناة، التي كان من المتوقع أن تشكل جزءاً كبيراً من الدخل الوطني، تعرضت لانتكاسات خطيرة جراء تراجع التجارة العالمية.
التحولات الاقتصادية السلبية تجبر “فيتش” على خفض التوقعات:
خفضت “فيتش” من تقديراتها للنمو الاقتصادي في مصر بسبب عدة عوامل محورية. أبرزها تقليص حجم التجارة العالمية الذي أثر سلباً على إيرادات قناة السويس، إضافة إلى تداعيات التباطؤ الاقتصادي العالمي على العديد من القطاعات الحيوية مثل السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية.
يشير التقرير إلى أن هذه القطاعات، التي كانت تدعم الاقتصاد المصري في الفترات السابقة، تشهد تراجعاً حاداً، مما يجعل الاقتصاد في حالة من الركود.
ورغم خفض التوقعات لعام 2024، فإن الوكالة أبدت تفاؤلاً حذراً بشأن المستقبل، مشيرة إلى أن النمو في السنوات المقبلة قد يتراوح حول 5.1% في السنة المالية 2025/2026، وهو ما يمثل تحسناً طفيفاً مقارنة بتوقعاتها السابقة التي كانت تشير إلى 4.7%.
إلا أن هذا التفاؤل مرهون بالعديد من الشروط التي قد تكون غير مضمونة في ظل استمرار التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد المصري.
التحديات الداخلية والخارجية تساهم في استمرار تدهور الاقتصاد:
ورغم تصعيد الأزمات الاقتصادية، أبدت “فيتش” تفاؤلاً بحذر بشأن المدى المتوسط، مؤكدةً أن استمرارية تطبيق الحكومة المصرية للإصلاحات الاقتصادية قد يسهم في دفع عجلة النمو في السنوات التالية.
لكن، وفي ظل استمرار أزمة التضخم، الذي سجل أرقامه في مصر مستويات غير مسبوقة، يظل التساؤل عن مدى تأثير تلك الإصلاحات على استقرار الوضع الاقتصادي قائمًا.
وفقاً للبيانات، فقد سجل معدل التضخم السنوي في مصر 37.9% في أكتوبر 2023، وهو رقم فاق توقعات الخبراء وفرض ضغوطًا إضافية على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
كما أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية، بسبب تدهور قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، يرفع من تكلفة المعيشة بشكل متسارع، مما يفاقم الأزمة المالية للأسر المصرية.
في حين أنه من غير المستبعد أن يؤدي هذا التضخم إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، فإن الحكومة تجد نفسها في مأزق، بين محاولات الحد من التضخم وبين الحفاظ على النمو الاقتصادي.
مستقبل قناة السويس: أزمة الملاحة تؤثر على إيرادات الدولة:
تعد قناة السويس أحد أضخم المصادر التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد المصري. غير أن الوكالة كشفت عن أن الإيرادات من قناة السويس شهدت تراجعاً حاداً في الأشهر الأخيرة، بسبب تراجع حركة الملاحة عبر القناة، وهو ما يضع الاقتصاد المصري في تحدٍ كبير.
مع استمرار ضعف حركة التجارة العالمية وارتفاع تكاليف الشحن، تواجه مصر صعوبة في تعويض الخسائر الناجمة عن تراجع إيرادات هذه القناة الحيوية.
وفي هذا الصدد، تعتبر “فيتش” أن استمرار هذه التحديات في الملاحة والتجارة سيؤدي إلى تقليص تدفق العملات الأجنبية، مما يضع مزيداً من الضغط على الجنيه المصري ويعزز من آثار التضخم.
التوقعات المستقبلية ما تزال مرهونة بالإصلاحات:
توقع تقرير “فيتش” أن الحكومة المصرية ستحاول تحفيز الاقتصاد عبر استكمال تنفيذ الحزمة الواسعة من الإصلاحات الهيكلية التي بدأتها منذ سنوات. تشمل هذه الإصلاحات تعزيز البنية التحتية، وزيادة الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
إلا أن هذه الإصلاحات لن تكون كافية في حال استمرار الضغوط الخارجية، مثل التقلبات في أسعار النفط أو الصراعات الجيوسياسية التي قد تؤثر على أسواق السلع.
ورغم جهود الحكومة، إلا أن النتائج التي تحققت حتى الآن تظل متواضعة، حيث تواجه البلاد أزمة مستمرة في جذب الاستثمارات الأجنبية، في ظل الوضع الاقتصادي العالمي غير المستقر.
وقد أشار التقرير إلى أن الأمل في تحسين الاقتصاد المصري قد يعتمد على استقرار أسواق الطاقة والمواد الخام، وهو ما يتطلب إصلاحات داخلية عميقة قد تكون صعبة التنفيذ في ظل الأزمات الحالية.
في المجمل، تقدم وكالة “فيتش” صورة قاتمة للاقتصاد المصري في الوقت الحالي، مع توقعات بأن يظل النمو ضعيفًا في السنة المالية الحالية 2025/2024.
ورغم التفاؤل الحذر بشأن التحسن في السنوات المقبلة، يبقى تحقيق هذا التحسن مرهونًا بالعديد من العوامل التي قد تظل خارج السيطرة.
ومع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر، تبقى الأنظار موجهة إلى الحكومة المصرية لمواجهة هذه التحديات بكفاءة وفاعلية إذا أرادت أن تخرج البلاد من هذا المأزق الاقتصادي المزمن.