وفد أمريكي يلتقي أحمد الشرع في دمشق وسط شروط صارمة للدعم المستقبلي
وصل وفد رفيع المستوى من الولايات المتحدة إلى العاصمة السورية دمشق، في خطوة أثارت الكثير من الجدل والتكهنات حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
الزيارة، التي أكدت وكالة الأنباء الفرنسية حدوثها، جاءت ضمن إطار محادثات غير معلنة تهدف إلى التفاوض مع أحمد الشرع، المعروف بلقب “الجولاني”، القائد العام لهيئة تحرير الشام وإدارة العمليات العسكرية التابعة لها في سوريا.
هذه الزيارة تأتي وسط أجواء متوترة وحساسة، خاصة أن الشرع مُدرج ضمن قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة على حد سواء.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز”، فإن الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، قد قرر إرسال دبلوماسيين كبار إلى دمشق للقاء أحمد الشرع، على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليه وعلى هيئة تحرير الشام.
هذه الخطوة غير المسبوقة تأتي في وقت يتوقع فيه أن يكون هناك تغييرات في السياسة الأمريكية تجاه سوريا مع اقتراب نهاية ولاية ترامب وتولي الرئيس المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم.
شروط الدعم الأمريكي لسوريا
وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أشار في تصريحات نقلتها شبكة “إن بي سي” الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة وضعت شروطًا واضحة لدعم أي سلطة جديدة في سوريا.
وأوضح بلينكن أن هذا الدعم مرهون بمدى شمولية تلك السلطة وابتعادها عن الطائفية ومحاربتها للإرهاب. وأضاف بلينكن قائلًا: “نحن بحاجة إلى رؤية خطوات ملموسة على الأرض، وليست مجرد تصريحات إيجابية”، في إشارة إلى المواقف الأخيرة التي أبدتها هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع.
ورغم أن الشرع أدلى بتصريحات اعتُبرت “إيجابية للغاية” حول توجهاته السياسية والعسكرية المستقبلية، إلا أن الولايات المتحدة لم تتخذ قرارًا نهائيًا بعد بشأن إزالة اسمه من قوائم الإرهاب.
وفي هذا السياق، طلب الرئيس المنتخب جو بايدن من إدارة ترامب التمهل وعدم اتخاذ أي خطوة متسرعة في هذا الشأن، وفقًا لما ذكرته مصادر مقربة من البيت الأبيض.
الشرع وقوائم الإرهاب
أحمد الشرع، أو الجولاني كما يُعرف في الأوساط الجهادية، يترأس هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية متشددة تأسست في سوريا وتعتبر خليفة لجبهة النصرة، التي كانت فرع تنظيم القاعدة في البلاد.
وتعد هيئة تحرير الشام من أبرز القوى العسكرية المعارضة للنظام السوري. ومع ذلك، تم تصنيفها من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة كمنظمة إرهابية بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة وأنشطتها المسلحة.
في عام 2011، ومع بداية النزاع السوري، برز الشرع كشخصية محورية في المعارضة المسلحة. إلا أن تحالفاته مع التنظيمات الإرهابية ورفضه القاطع للحلول السياسية، وضعه في دائرة الاستهداف الدولي.
وفي عام 2015، أدرجت الأمم المتحدة هيئة تحرير الشام، وقادتها بمن فيهم الشرع، ضمن قوائم العقوبات الدولية بموجب قرارات مجلس الأمن رقم 1267، 1989، و2253، وهي القرارات التي تستهدف الأفراد والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
التوجهات المستقبلية والسياسة الأمريكية
وفي ظل التوترات الحالية، تتزايد التساؤلات حول مدى جدية التحركات الأمريكية نحو إعادة تشكيل السياسة تجاه سوريا والجماعات المسلحة هناك.
وتأتي زيارة الوفد الأمريكي إلى دمشق كإشارة إلى احتمال وجود تقارب أو على الأقل محاولات للتفاوض بين الولايات المتحدة وبعض الفصائل السورية المسلحة، بمن فيها هيئة تحرير الشام.
لكن يبقى السؤال الأهم هو: هل ستتخلى الولايات المتحدة عن موقفها الصارم تجاه هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع؟ هل يمكن أن تتحول هذه الجماعة من كيان إرهابي إلى شريك سياسي مقبول في المستقبل القريب؟
التحليلات تشير إلى أن إدارة بايدن قد تكون أكثر استعدادًا للانخراط في محادثات مع فصائل المعارضة المسلحة في سوريا، ولكن بشرط أن تثبت تلك الفصائل أنها ملتزمة بتحقيق الاستقرار والابتعاد عن النهج الجهادي المتطرف.
ومن المحتمل أن تواصل الإدارة الجديدة مراجعة السياسات الأمريكية الحالية تجاه سوريا مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمريكية في مكافحة الإرهاب من جهة، وضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية من جهة أخرى.
الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
على الصعيد الدولي، لا تزال الأمم المتحدة تحتفظ بموقفها الحازم تجاه هيئة تحرير الشام، إذ تُعتبر المنظمة جزءًا من الجماعات الإرهابية التي تهدد الاستقرار في سوريا والمنطقة.
ولا تزال العقوبات الدولية المفروضة على الشرع سارية المفعول، حيث تشمل تجميد أصوله وحظر السفر. كما أن العديد من الدول الأوروبية والعربية تعتبر هيئة تحرير الشام خطرًا كبيرًا على الأمن الإقليمي والدولي، مما يصعب أي محاولات لإعادة تأهيلها سياسيا.
وتظل زيارة الوفد الأمريكي إلى دمشق خطوة غير متوقعة في ظل الوضع الراهن. ولا يمكن الجزم بما إذا كانت هذه التحركات ستؤدي إلى تغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، أم أنها مجرد مناورة دبلوماسية تهدف إلى تحقيق مصالح معينة في منطقة تمزقها الصراعات والحروب.
لكن الأكيد أن أحمد الشرع، رغم كل المحاولات الأمريكية والدولية لتهميشه، لا يزال لاعبًا رئيسيًا في الساحة السورية، وهو ما يجعل التعامل معه أمرًا لا مفر منه بالنسبة لجميع الأطراف.