محكمة الجيزة تفرج عن 5 ضباط متهمين بتعذيب وقتل سجين وتؤجل المحاكمة
في قضية أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والإعلامية المصرية، أصدرت محكمة جنايات الجيزة قراراً بإخلاء سبيل خمسة ضباط شرطة، من بينهم رئيس مباحث قسم الشرطة، وثلاثة أمناء شرطة ومجنّد واحد، الذين يواجهون اتهامات خطيرة بتعذيب سبعة من السجناء، ما أدى إلى وفاة أحدهم.
هذا القرار أثار غضباً واستياءً بين منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مصر، حيث أن الوقائع المروعة للتعذيب التي تم الكشف عنها تثير تساؤلات كبيرة حول منهجية التعامل مع المحتجزين في السجون المصرية، وخصوصاً في قضايا التعذيب وسوء المعاملة.
تفاصيل القضية: وفاة بسبب التعذيب
القضية بدأت عندما تم اتهام الضباط الخمسة بالتورط في تعذيب مجموعة من السجناء، حيث توفي أحد السجناء السبعة الذين تعرضوا للضرب المبرح.
وتشير تفاصيل الحادثة إلى أن السجين الذي توفي كان مكبّل الأيدي أثناء تعرضه لضرب عنيف باستخدام مضرب بيسبول وعصا “شومة”، وهي وسيلة تعذيب تستخدم في بعض الأحيان داخل السجون المصرية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استخدم الضباط المتهمون أيضاً صاعقاً كهربائياً، ما أدى إلى إصابات جسيمة للسجين، تسببت في وفاته لاحقاً.
إصابات خطيرة للسجناء الآخرين
في الوقت الذي فقد فيه أحد السجناء حياته نتيجة للتعذيب، أصيب خمسة آخرون بجروح بالغة نتيجة استخدام أدوات تعذيب متنوعة، من بينها “كرباج” ومواسير مياه وصاعق كهربائي.
وتم نقل هؤلاء السجناء إلى المستشفى لتلقي العلاج، حيث تشير التقارير الطبية إلى تعرضهم لإصابات جسدية شديدة من جراء الضرب الوحشي، ما يعزز من خطورة الاتهامات الموجهة إلى الضباط.
تأجيل المحاكمة
على الرغم من فداحة التهم الموجهة للضباط، فقد قررت المحكمة تأجيل محاكمتهم إلى جلسة جديدة في الخامس من يناير 2025. هذا التأجيل أثار انتقادات واسعة، حيث يرى البعض أنه يمثل محاولة لتمييع القضية وتأجيل محاسبة المتهمين.
وقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان في مصر هذا القرار، مشيرة إلى أن التأجيل المستمر للقضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان يساهم في إفلات الجناة من العقاب.
قضية الشباب المخفيين قسراً
في حادثة أخرى تجسد مدى الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في مصر، قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس 22 شاباً و3 شابات لفترات متفاوتة بعد أن كانوا مختفين قسراً قبل ظهورهم في مقر النيابة.
وقد وجّهت إليهم النيابة اتهامات خطيرة، من بينها “بثّ ونشر أخبار كاذبة”، و”الانضمام إلى جماعة إرهابية”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، و”استغلال الإنترنت لنشر الجرائم”، إضافة إلى اتهامات أخرى تتعلق بالعنف والترويج له.
هذه القضية تمثل جزءاً من سلسلة طويلة من القضايا المتعلقة بالاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، التي أصبحت واحدة من أبرز الانتهاكات الموثقة في مصر خلال السنوات الأخيرة.
وما يزيد من خطورة هذه القضية هو أن هؤلاء الشباب كانوا مخفيين قسراً لفترات متفاوتة قبل ظهورهم في النيابة، وهو ما يتناقض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحظر الاختفاء القسري ويعتبره جريمة ضد الإنسانية.
انتقادات حقوقية واسعة
لم تمر هذه الحوادث دون أن تثير انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. فقد دعت مبادرة أسر سجناء مصر السياسيين السلطات المصرية إلى إعادة النظر في أوضاع السجناء السياسيين، خاصة أولئك الذين تم اعتقالهم بسبب آرائهم أو نشاطاتهم السياسية.
وطالبت المبادرة بالإفراج عن السجناء المحتجزين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية، داعية إلى عفو رئاسي يشملهم، مع تعهدهم بالابتعاد عن الحياة السياسية.
سجون مصر: إلى أين؟
تواجه مصر في السنوات الأخيرة ضغوطاً متزايدة من المجتمع الدولي بسبب سجلها في حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بالتعذيب والاعتقال التعسفي.
وتحت شعار “لا نريد أن نكون مثل سوريا”، أعادت أسر السجناء السياسيين في مصر التذكير بمطالبهم المستمرة للإفراج عن ذويهم، في إشارة إلى الوضع المأساوي الذي شهده السجناء السياسيون في سوريا، وتحديداً في سجن صيدنايا سيء السمعة.
سجن صيدنايا في سوريا هو واحد من أكثر السجون شهرة في العالم بسبب الانتهاكات التي وقعت داخله، حيث وُصف بأنه “مسلخ بشري” من قبل منظمة العفو الدولية.
ووفقاً لتقارير “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، فقد تم إعدام أكثر من 30 ألف سجين أو قضوا تحت التعذيب أو نتيجة نقص الرعاية والطعام بين عامَي 2011 و2018. وتخشى الأسر المصرية من أن تتحول بلادهم إلى نسخة أخرى من هذا السيناريو المروع إذا استمرت السلطات في تجاهل مطالبهم.
تشير هذه الحوادث المتكررة إلى وجود أزمة حقيقية في النظام القضائي والأمني المصري، حيث يعاني المحتجزون من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بدءاً من التعذيب الممنهج وانتهاءً بالاختفاء القسري والاحتجاز غير القانوني.
ورغم النداءات المستمرة من قبل المنظمات الحقوقية، يبدو أن السلطات المصرية لا تزال ماضية في طريقها دون إبداء أي استعداد لتغيير سياساتها الأمنية أو تحسين أوضاع السجون.
ويبقى السؤال المطروح: إلى متى ستستمر هذه الانتهاكات؟ وهل سيتحرك المجتمع الدولي لوقف ما يجري داخل السجون المصرية، أم ستظل الأمور على حالها، مع تزايد المخاوف من أن تتحول مصر إلى “صيدنايا” جديدة في قلب العالم العربي؟