في بحر السياسة المصرية، المشهد أشبه بنص لغوي عتيق، مليء بالرموز والتضاد، والمرادفات، حيث تتقاطع المعاني، وتتكامل الإشارات.
لوحة من الألغاز تحتاج إلى عين قارئٍ مُتفحّص وقلب مستعد بحب، لفك الشيفرات.
السياسة المصرية، كما اللغة العربية، تحمل غموضًا خلابًا لكنها تفيض بتناقضاتها؛ كأنها الكلمات التي تبدأ بحرف (الكاف)، التي تُوحي بالاحتواء والسكينة مثل: “كيس، كوكب، كهف”، لكنها تُخفي أحيانًا معاني أخرى مختلفة
مثل: – الكفن، والكف الذي قد يصافح أو يصفع أمثلة كثيرة تحيرني بشدة مثل: – حقيقة العلاقات بين مصر و الإمارات حيث يتجسد هذا التضاد بوضوح.
تحالف يبدو قويًا على السطح، لكنه في العمق يحمل أسئلة حائرة. في التناقض في معظم القضايا والملفات السياسية الإقليمية فلماذا يظهر التوافق في بعض الملفات بينما يكتنف الغموض ملفات أخرى؟ هل هذا هو فن توزيع الأدوار؟!!
أم أن هناك خلافات حقيقية عميقة لا تُقال؟
العلاقات بين البلدين كما الكلمات التي تبدأ بحرف الغين
تُوحي بالضبابية، مثل: “غيوم، غموض، غدر، غفلة”.
أما العلاقة المصرية السعودية، فتبدو مثل كلمة مركبة، تجمع بين الألفة والغموض.
غضب مكتوم وتنمر ظاهر، خذ مثلا:
اللقاء الأخير بين جمال مبارك ووفد سعودي مقرب من محمدبن سلمان يثير تساؤلات شائكة؛
ما هي الرسائل التي يحملها هذا اللقاء؟ ولماذا الآن؟
هل هي محاولة لرسم خطوط مرحلة جديدة، في مصر أم أنها رسالة مُبطّنة تحمل في طياتها إعادة تموضع للعلاقات، بعد سورياالآن؟
كل شيء في هذا الملف، كما في السياسة الخارجية، يبدو مُلبّدًا بالغيوم
كما لو أننا أمام نص لم يكتمل بعد. الموقف المصري من الأزمةا لسورية يُضيف فصلًا آخر من الغموض.
فالتصريحات الرسمية متوازنة وتدعو إلى عدم التدخل في خيارات الشعب السوري، بينما أصوات إعلامية تدعم مواقف أخرى متناقضة.
هنا أيضًا تظهر السياسة كأنها الكلمات التي تجمع بين حرفي (الجيم والنون)، تعبر عن الخفاء والاستتار، مثل: “الجن، الجنين، الجنة”، {الجني اللي نعرفه أحسن من الجني الذي لا نعرفه} حيث تختفي الحقائق خلف ستار كثيف من الضباب.
كيف يمكن لنا فهم هذا التناقض بين القول والفعل؟
وعلى المستوى المحلي، المشهد أكثر تعقيدًا. بين الدعوة إلى فتح المجال العام وضمان حرية التعبير، وبين استمرار قضايا المعتقلين بلا حلول، يبدو الأمر كلوحة تُوحي بشيء، وتُخفي آخر.
لماذا لا تكون السياسة المصرية واضحة كالكلمات التي تنحت معانيها من الحروف ذاتها؟
ولماذا لا تُوضع قواعد مفهومة، تُبنى عليها السياسات بدلاً من هذا الغموض المتكرر؟ الإعلام المصري يمثل وجهًا آخر لهذه الثنائية.
في لحظة، تشعر أنه يتحدث بلسان الشعب، ينقل الهموم ويعبر عن الحقيقة.
وفي لحظة أخرى، يبدو غريبًا عن قضايا الوطن، كأننا أمام لغة ليست لنا. كيف يمكن للإعلام أن يكون مرآةً صادقة لواقعٍ تزدحم فيه التناقضات؟
كما أن السياسة المصرية تتشابه مع فن “النحت” في اللغة العربية، حيث تخلق معاني عميقة من تداخل الحروف، ككلمة “(بحر”) (رحب) التي توحي بالاتساع والضخامة، لكنها تحمل في طياتها أحيانًا معنى الحرب والخطر.
السياسة هنا تنحت وجودها من هذه المعاني المتناقضة، لكنها تترك الجميع في حيرة السؤال: إلى أين يتجه هذا المسار؟ ربما حان الوقت لفك رموز السياسة المصرية، كما نفك رموز اللغة العربية.
فالسياسة التي تتحدث بلغة الألغاز تظل دائمًا عصية على الفهم، لكنها أيضًا تترك الأبواب مفتوحة لكل الاحتمالات، وكأنها تقول لنا: من أراد أن يفهم، فليدخل المتاهة •••