لطالما كانت مصر عبر التاريخ واحة للتسامح والتعددية، وطنًا يجمع كل أبنائه رغم اختلافاتهم، يحفظ نسيجهم الاجتماعي المتماسك، وينأى بنفسه عن أي نزعات عنصرية أو تحريضية. لكن ما نشهده اليوم من بعض الإعلاميين الذين يتبنون خطاب الكراهية والعنصرية، يثير تساؤلًا حقيقيًا: منذ متى أصبح المصريون هكذا؟
إبراهيم عيسى، الذي يُفترض أن يكون صوتًا للعقل والحكمة (كونه إعلامياً موجهاً للرأى العام)، وجدناه ينحرف عن دوره الإعلامي النبيل، ويتحول إلى صوت يدعو إلى الفرقة والتمييز. فبدلًا من أن يوجه الرأي العام نحو ما يفيد المجتمع ويعزز من وحدته، أصبح يستخدم منبره الإعلامي للتحريض على المخالفين، حتى وصل به الأمر بالهجوم على أحمد الشرع قائد التغيير في سوريا، بل ويمتد ذلك إلى المطالبة باعتقال والده ووالدته!
ما يفعله إبراهيم عيسى اليوم يعيد للأذهان مواقف مشابهة صدرت من إعلاميين آخرين، كان لها دور خطير في التحريض العلني ضد رموز المعارضة. ولعل أبرز هذه المواقف كان ما صدر عن الإعلامي محمد الباز، عندما دعا بشكل صريح إلى قتل معارضين مصريين مثل أيمن نور، ومحمد ناصر، ومعتز مطر. حين قال علنًا: “اللي يشوف أيمن نور يقتله، اللي يشوف محمد ناصر يقتله، اللي يشوف معتز مطر يقتله.” وذلك كونهم معارضين للنظام أو مخالفين في الرأى!
مثل هذه التصريحات ليست مجرد كلمات عابرة؛ بل هي دعوات خطيرة تشرعن العنف، وتضرب بقيم التعايش وحرية التعبير عرض الحائط.
الإعلامي الحقيقي هو من يُعلي صوت العقل على الغرائز، ويقف كجسر يوحّد بين أبناء الوطن، لا كمعول يهدم جسور التعايش. وفي هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا، نحتاج إلى أصواتٍ تجمع ولا تفرق، إلى قامات إعلامية تتبنى خطابًا ناضجًا يدفع الناس نحو الوحدة، لا نحو الانقسام.
دعوات التحريض والكراهية، تمثل تهديدًا مباشرًا للنسيج الوطني، وتشكل خطرًا لا يستهان به على مستقبل المجتمع المصري.
مصر التي نحلم بها هي مصر التي تتسع للجميع، التي تحمي أبناءها بمختلف توجهاتهم، وتضمن لهم مساحة للتعبير والحوار دون خوف أو تهديد. أما آن الأوان أن يعلو صوت الحكمة على كل صوت يدعو للعنف والتمييز؟
مصر عبر تاريخها كانت رمزًا للوحدة والتعايش، وجميعنا نذكر كيف وقف المصريون صفًا واحدًا في مواجهة التحديات الكبرى. واليوم، نحن بحاجة إلى استعادة هذا الروح الوطنية، وتحييد الأصوات التي تنشر الكراهية والتفرقة.
ورسالتنا بمثابة دعوة لكل من يتصدر المشهد الإعلامي إلى إعادة النظر في خطابهم، وإعلاء صوت العقل على أي مصلحة أو انحياز. مصر أكبر من أن تتحمل خطابات الكراهية والانقسام، وأعظم من أن تُختزل في صراعات ضيقة تُضعف من قوتها.
فلنجعل أصواتنا صدىً للحكمة، ولتكن رسالتنا واحدة: أن مصر لا تُبنى بالتحريض، بل بالحب، ولا تُقوَّى بالفرقة، بل بالوحدة.
لعل العقل والحكمة ينتصران، لتعود مصر كما عرفناها دائمًا… يدًا واحدة وقلبًا واحدًا.