في حادثة مأساوية أظهرت حجم الإهمال والتقصير الذي يعاني منه قطاع الصرف الصحي في محافظة أسيوط، تجددت معاناة أهالي قرية العتامنة التابعة لمركز منفلوط شمال المحافظة، بعد أن غمرت مياه الصرف الصحي مدرسة العتامنة الابتدائية بنات، ما أدى إلى حالة من الذعر والخوف بين الأطفال.
هذه الحادثة تأتي كدليل آخر على استمرار مسلسل الفساد في محافظة أسيوط الذي لا ينتهي، والذي يعكسه بشكل جلي التقاعس الواضح من وزارة التنمية المحلية وفساد المسؤولين في المحافظة وعلى رأسهم اللواء هشام أبوالنصر، محافظ أسيوط، والدكتور مينا عماد، نائب محافظ أسيوط.
كارثة تتكرر والفساد مستمر
في حادثة فاضحة، تلقت غرفة الأزمات والعمليات المركزية في المحافظة إخطارًا بحدوث كسر مفاجئ في خط طرد صرف صحي 800 GRB، القادم من محطة رفع صرف صحي جمريس إلى محطة صرف المساعدة (1) في نطاق قرية العتامنة.
الكسر تسبب في تجمع كميات ضخمة من المياه في بعض المنازل المنخفضة والمنسوبة، وكذلك في فناء مدرسة العتامنة الابتدائية بنات، ما شكل خطرًا على حياة الأطفال الذين كانوا في فصولهم الدراسية حينما غمرتهم المياه.
وعلى الرغم من وجود عدة أجهزة حكومية في المنطقة كان بإمكانها التعامل مع هذه الأزمة بشكل سريع وفعال، فإن تقاعس المسؤولين عن حل الأزمة كان واضحًا.
اللواء هشام أبوالنصر، محافظ أسيوط، استجاب متأخرًا لهذه الكارثة، حيث قام بتفقد موقع الكسر، وأمر بتوجيه 15 سيارة لشفط المياه من المنازل وفناء المدرسة، دون أي اهتمام بالحلول الجذرية التي من شأنها منع تكرار مثل هذه الحوادث.
فساد تحت أنظار المسؤولين
من المثير للدهشة أن حادثة كسر خط الصرف الصحي لم تكن الحالة الأولى من نوعها، إذ أن سلسلة من الأزمات المتعلقة بالصرف الصحي قد شهدتها محافظة أسيوط في السنوات الماضية، والتي تكشف عن حجم الفساد المستشري داخل الدوائر الحكومية.
الغريب أن الخطط التي تُعلن عن إصلاحات وتهيئة البنية التحتية لا تتم متابعتها بشكل جدي، بل تبقى مجرد حبر على ورق، يتم استغلالها في الترويج الإعلامي لتحقيق مكاسب سياسية شخصية.
وبالرغم من هذه الفضيحة، فإن اللواء هشام أبوالنصر ونائبه الدكتور مينا عماد استمروا في الاستعراض الإعلامي، حيث ظهروا في عدة مناسبات إعلامية وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، محاولين الظهور بمظهر المنقذين والمصلحين بينما في الواقع لم يتخذوا الإجراءات الفعالة لمعالجة الأزمات المتكررة.
بل إن جميع الحلول التي تم الإعلان عنها كانت مؤقتة، وأهدافها واضحة: تحسين صورة المسؤولين وتهدئة غضب المواطنين.
المسؤولون لا يقتنعون بوجود مشكلة حقيقية
في زيارة غير مجدية إلى الموقع، التقى محافظ أسيوط مع عدد من المسؤولين في المنطقة، مثل المهندسة فاطمة أحمد إبراهيم، سكرتير عام المحافظة، والنائب مصطفى الكحيلي، عضو مجلس الشيوخ، والمهندس ناجح عبدالرحمن، رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي بأسيوط.
خلال هذا اللقاء، طمأن المحافظ الأهالي بأن الحلول العاجلة قيد التنفيذ، حيث تم استدعاء جميع المسؤولين لتشكيل لجنة لوضع حل جذري للمشكلة. هذه التصريحات لم تكن سوى محاولات يائسة للتخفيف من حدة الانتقادات، حيث تم الإعلان عن إجراء “رفع مساحي” للمنطقة وتنفيذ خط بديل للصرف الصحي، رغم أن هذه الحلول كانت من المفترض أن تكون قد تم تنفيذها قبل سنوات.
وعود وهمية وأكاذيب متكررة
في الواقع، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها المسؤولون وعودًا بتطوير شبكة الصرف الصحي في قرية العتامنة. فكل عام يشهد وعودًا مماثلة من وزارة التنمية المحلية ومحافظة أسيوط بحل هذه المشاكل، إلا أن الواقع يكشف عن تقاعس مستمر وعدم رغبة حقيقية في الإصلاح.
تم الإعلان عن خطط لتوسيع شبكة الصرف الصحي، وتنفيذ مشاريع تطوير لم يكتمل منها شيء، بل إن مشاريع كانت قد بدأت من سنوات تراجعت أو تم إيقافها بشكل مفاجئ دون أي تفسير أو محاسبة.
معاناة المواطنين في ظل فساد المسؤولين
لم تتوقف معاناة أهالي قرية العتامنة عند غرق مدارسهم بالمياه، بل امتدت لتشمل فقدان الثقة في المسؤولين الذين يكتفون بالكلمات دون أن يترجموا هذه الكلمات إلى أفعال.
هذه الحالة من الفساد والفشل تتكرر في مختلف أنحاء محافظة أسيوط، والتي تعد واحدة من أبرز نماذج الفشل الحكومي على مستوى الجمهورية. في ظل هذا الوضع، لا يبدو أن هناك أي أفق لحل مشاكل الصرف الصحي في المنطقة، ويستمر مسلسل الإهمال والتقصير من قبل المسؤولين.
مطالبة الأهالي بحلول حقيقية
أعرب أهالي قرية العتامنة عن استيائهم الشديد من الإهمال الذي يعانون منه، وطالبوا الجهات المعنية باتخاذ خطوات جادة وفعالة لإنهاء مشاكل الصرف الصحي في قريتهم.
كما شددوا على ضرورة محاسبة المسؤولين الذين أهدروا أموال الدولة ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لضمان صحة وسلامة المواطنين.
إن حادثة غمر مياه الصرف الصحي في مدرسة العتامنة الابتدائية بنات هي مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الإهمال والتقاعس الذي تفرضه السلطة المحلية في محافظة أسيوط.
ومع ذلك، فإن المسؤولين في المحافظة لا يزالون يظهرون في الإعلام بشكل متكرر محاولين تبرير أخطائهم بدلاً من اتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة الأزمة. ويبقى السؤال الأهم: إلى متى ستظل هذه الممارسات مستمرة في ظل صمت وزارة التنمية المحلية وعدم محاسبة الفاسدين؟