النمسا تقود جهود أوروبا لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم
تعمل النمسا على قيادة مبادرة أوروبية تهدف إلى وضع سياسة موحدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وأكد المستشار النمساوي كارل نيهامر في تصريحات له لصحيفة “فيلت” الألمانية قبيل القمة المرتقبة لرؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي في بروكسل أن أوروبا بحاجة إلى استراتيجية شاملة لمعالجة ملف اللاجئين السوريين.
وأوضح نيهامر أن الحلول المؤقتة مثل إعادة توزيع اللاجئين داخل الدول الأوروبية لن تكون فعّالة، وأن الهدف يجب أن يكون توفير فرص جديدة للشعب السوري في بلاده.
وأشار نيهامر إلى أن هذه الاستراتيجية يجب أن تتضمن دعم عملية بناء الديمقراطية في سوريا، حيث شدد على أن سوريا تحتاج في الوقت الحالي إلى مواطنيها. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتخذ خطوة مهمة تتمثل في تعيين مبعوث خاص للتفاوض مع الحكومة السورية الجديدة، بهدف إيجاد حلول دبلوماسية تدعم استقرار البلاد.
وتحدث نيهامر عن التعاون بين النمسا ودول أخرى مثل إيطاليا وهولندا والدنمارك، مشيراً إلى أن هذه الدول تعد من الدول الرائدة في الدفع نحو تغييرات جذرية في سياسة اللجوء الأوروبية. كما أعلن عن تنظيم اجتماع قريب بين هذه الدول لمناقشة سبل التعامل مع الوضع السوري وتنسيق المواقف في هذا الشأن. وتعتبر هذه الجهود جزءاً من مساعي الاتحاد الأوروبي لتقديم حلول جذرية لمعالجة أزمة اللاجئين بشكل شامل، وليس فقط عبر معالجة أبعاد الأزمة داخل القارة الأوروبية.
وفي هذا السياق، أظهرت دراسة اقتصادية حديثة أعدها المعهد الاقتصادي الألماني في كولونيا تأثيرات سلبية محتملة لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم على الاقتصاد الألماني. وأوضحت الدراسة أن عودة اللاجئين قد تؤدي إلى تفاقم أزمة نقص المهارات في بعض القطاعات الهامة في ألمانيا، مثل القطاع الطبي والهندسي. وذكرت الدراسة أن حوالي 80 ألف لاجئ سوري يعملون في مجالات تعاني من نقص شديد في العمالة مثل قطاع الهندسة الطبية وفنيي السيارات وأطباء الأسنان.
وأكد المعهد أن وجود أكثر من 4 آلاف فني سوري يعملون في قطاع صناعة السيارات الألماني يشكل جزءاً من الحل لمشكلة النقص الحاد في المهنيين المؤهلين في هذا المجال. كما أشار إلى أن أكثر من 5300 طبيب سوري يعملون في النظام الصحي الألماني، حيث يشكلون جزءًا مهمًا من القوى العاملة في هذا القطاع، مما يعكس أهمية دورهم في سد الفجوات في القطاعات التي تعاني من نقص كبير في الكوادر.
من جانب آخر، أظهرت الدراسة أن عودة اللاجئين السوريين قد تؤدي إلى زيادة تفاقم هذا النقص، مما يؤثر سلبًا على القدرة التنافسية للاقتصاد الألماني. إذا تم إعادة هؤلاء العاملين إلى سوريا، فإن الاقتصاد الألماني قد يعاني من تدهور في بعض المجالات الحيوية التي تعتمد بشكل كبير على هذه العمالة. وقد يكون لهذا الأمر تأثيرات كبيرة على قدرة ألمانيا على تلبية احتياجاتها الاقتصادية في المستقبل.
تأتي هذه التحليلات في وقت حساس، حيث تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد حلول دائمة لأزمة اللاجئين السوريين التي أثرت على العديد من البلدان الأوروبية منذ سنوات. وفي هذا السياق، تتواصل الجهود الأوروبية لإيجاد حلول شاملة لا تقتصر على إعادة توزيع اللاجئين داخل القارة، بل تتجه أيضًا نحو دعم الاستقرار في سوريا عبر استراتيجيات طويلة الأمد قد تساعد في عودة السوريين إلى وطنهم بشكل آمن.
ومن الواضح أن الحلول المطروحة في هذا الصدد تتطلب تنسيقاً دقيقاً بين الدول الأوروبية من أجل ضمان تنفيذ استراتيجيات فعّالة لا تؤثر سلبًا على اقتصادات الدول المضيفة. كما أن إحياء الأمل في المستقبل داخل سوريا عبر الدعم السياسي والاقتصادي يمكن أن يكون المفتاح لإيجاد حلول دائمة لأزمة اللاجئين، وهو ما تسعى النمسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى إلى تحقيقه من خلال هذه المبادرات التي تسعى لإيجاد توازن بين الاهتمام بالشعب السوري ومصالح الدول المستضيفة.
إن التعاون الأوروبي في معالجة أزمة اللاجئين السوريين يواجه تحديات كبيرة، ولكن الجهود المشتركة قد تساعد في إيجاد حلول تحقق مصلحة الجميع.