نهب 30 مليار جنيه: فساد بيع زيوت الكهرباء والتلاعب بالعدادات يدمر اقتصاد مصر
لقد آن الأوان للكشف عن حقيقة مؤسفة تكشف عن حجم الفساد المستشري في الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية بأكملها.
فقد أصبح واضحًا أن هناك تواطؤًا وتقاعسًا كبيرًا في معالجة الفساد المنتشر داخل قطاع الكهرباء، مما يرهق الاقتصاد المصري ويزيد من معاناة المواطنين.
في البداية، نتوقف عند البيزنس الخفي الذي تديره شركات إنتاج الكهرباء فيما يتعلق ببيع زيت توربينات محطات الكهرباء المرتجع. هذه التجارة المريبة تحقق أرباحًا طائلة لتلك الشركات على حساب المواطن المصري وصحته وأمواله.
إحدى شركات تجميع الزيوت المرتجعة وهي شركة “بتروتريد”، والتي تعمل تحت مظلة هيئة البترول، أشارت إلى أن شركات إنتاج الكهرباء تطرح مناقصات لبيع تلك الزيوت المرتجعة. هؤلاء الموردون وتجار السوق السوداء يستخدمون تلك الزيوت في صناعات مختلفة منها علف الحيوانات ومستحضرات التجميل، وهي صناعات تشكل خطرًا على صحة المصريين.
أضف إلى ذلك، أن هذه الزيوت يعاد تكريرها لاستخدامها في المحركات بعد إضافة بعض المواد، مما يتسبب في تحميل الدولة أعباءً صحية واقتصادية ضخمة.
وفي وقت سابق، قُدمت العديد من الشكاوى لوقف المزادات التي تطرحها شركات الكهرباء لبيع تلك الزيوت بسبب الاشتباه في تفضيل شركة معينة غير متخصصة في هذا المجال، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول ممارسات الفساد المتفشي في هذا القطاع. لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتوغل الفساد ليشمل بيع زيوت المحولات التي تُعد كنزًا مهدورًا داخل مخازن شركات توزيع ونقل الكهرباء. هذه الزيوت تدخل المخازن كخردة، ومن ثم يُعاد تكريرها وبيعها لصالح جهات معينة تستفيد من هذا الاستنزاف المستمر لموارد قطاع الكهرباء.
الأدهى من ذلك أن لجان جرد المهمات في مخازن شركات الكهرباء تتجاهل تمامًا وجود زيوت المحولات وتقتصر على جرد المعدات دون التحقق من محتوياتها. المحولات الكبيرة التي تُكهن تحتوي على خزانات زيت يمكن تكريرها وإعادة بيعها لشركات الكهرباء مرة أخرى، وهو ما يشير إلى وجود حلقة مفرغة من الفساد تستنزف القطاع وتُرهق خزينة الدولة.
فضيحة أخرى تتعلق بالفساد داخل شركات توزيع الكهرباء التسع على مستوى الجمهورية تتعلق بأنظمة العدادات مسبقة الدفع. عدد من المواطنين لجأ إلى مهندسي وفنيي قطاع العدادات في هذه الشركات، والذين بدورهم يتلقون رشاوى مالية مقابل التلاعب في أنظمة شحن العدادات. هؤلاء المهندسون والفنيون يستغلون الثغرات في برامج شحن العدادات ويقومون بإعادة برمجتها، مما يسمح بإضافة شحنات وهمية من الأموال على العداد دون دفع قيمة استهلاك الكهرباء الفعلية. هذا الأمر أدى إلى إهدار مليارات الجنيهات من أموال الدولة، حيث تشير التقارير إلى أن الفقد الناتج عن هذه العمليات يصل إلى أكثر من 30 مليار جنيه سنويًا.
العديد من أنواع العدادات لم تسلم من هذا التلاعب، حيث تم رصد عمليات شحن وهمية بأموال كبيرة تصل إلى آلاف الجنيهات، وكل ذلك يحدث في ظل غياب تام أو عدم وجود أجهزة رقابية فعالة داخل شركات توزيع الكهرباء التسع. الممارسات الفاسدة التي يقوم بها بعض المهندسين والفنيين المتخصصين بقطاع العدادات تسلط الضوء على ضعف الرقابة الداخلية وتفضح مدى التواطؤ بين هؤلاء العاملين والمسؤولين في شركات الكهرباء.
ولعل الأسوأ من ذلك هو أن بعض الشركات الموردة للعدادات مسبقة الدفع ذات الكارت قدمت عدادات بها عيوب صناعية جسيمة، مما زاد من حجم الفقد وأدى إلى خسائر هائلة بالمليارات. تشير التقارير إلى أن العداد يستمر في سحب التيار الكهربائي حتى بعد انتهاء رصيد كارت الشحن، مما أوقع العديد من المواطنين في فخ عدم دفع الفواتير المستحقة. عندما اكتُشف هذا الخلل، اضطرت شركات الكهرباء إلى استبدال العدادات المعطوبة بأخرى جديدة، مع تقسيط ثمن العداد الجديد على كارت الشحن، ولكن في النهاية يتحمل المواطن وحده تكلفة هذا الفساد دون محاسبة المتورطين أو معاقبتهم.
ما يحدث في قطاع الكهرباء المصري ليس إلا صورة من صور الفساد العميق الذي ينهش في جسد الاقتصاد الوطني. الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية جميعهم متورطون بشكل أو بآخر في هذا الفساد، حيث يتضح أن هناك تواطؤًا وإهمالًا كبيرين في مراقبة أداء شركات الكهرباء، وهو ما يعزز من انتشار هذه الظواهر السلبية التي تثقل كاهل المواطن وتضيع موارد الدولة.
لا يمكن إنكار أن ما يحدث في شركات إنتاج وتوزيع الكهرباء هو استنزاف ممنهج لموارد الدولة. فبيع زيوت توربينات محطات الكهرباء المرتجعة وزيوت المحولات بشكل غير قانوني لصالح فئة معينة، وكذلك التلاعب بأنظمة شحن العدادات مسبقة الدفع، كلها أمور تتطلب تحقيقًا عاجلًا وشاملًا لكشف المتورطين ومحاسبتهم. عدم اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة هذا الفساد المستشري يعني ببساطة استمرار نزيف أموال الدولة وزيادة معاناة المواطن المصري الذي يدفع ثمن فساد المسؤولين الكبار.
كما يجب أن نلفت النظر إلى أن بعض الجهات الحكومية ذاتها، بما فيها وزارة الكهرباء، تغض الطرف عن هذه الممارسات الفاسدة وتتعمد تجاهل الشكاوى المقدمة من المواطنين والعاملين الشرفاء داخل القطاع. هذه الممارسات لا يمكن أن تستمر دون أن يكون هناك تواطؤ واضح من بعض المسؤولين داخل الحكومة المصرية، حيث يتغاضون عن التحقق من الصفقات المشبوهة وعمليات بيع الزيوت والمحولات التي تتم بشكل غير قانوني لصالح جهات معينة.
من غير المقبول أن تستمر هذه الانتهاكات دون محاسبة. إن التلاعب بموارد الدولة، سواء كان ذلك من خلال بيع زيوت المحولات أو التلاعب في شحن العدادات مسبقة الدفع، يمثل جريمة كبيرة ضد الاقتصاد الوطني وضد الشعب المصري الذي يعاني من تدهور خدمات الكهرباء بشكل يومي. الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء والحكومة المصرية يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الفساد، ويجب أن يُحاسب كل من تورط في هذه الفضيحة بدءًا من أصغر فني وحتى أعلى مسؤول.
وإلى متى سيظل المواطن المصري يتحمل أعباء فساد هؤلاء المسؤولين؟ فقد أثبتت الأحداث المتكررة أن هناك شبكة منظمة من الفاسدين داخل شركات إنتاج وتوزيع الكهرباء تعمل بلا رقيب أو حسيب، تسرق أموال الدولة وتستنزف مواردها في ظل تقاعس واضح من الحكومة ووزارة الكهرباء عن اتخاذ أي إجراءات جادة للحد من هذا النزيف المستمر.
ولا بد أن يتم فتح تحقيق شامل ومستقل يكشف عن تفاصيل هذه الجرائم ويحاسب كل من تورط فيها، سواء كان ذلك في بيع زيوت توربينات محطات الكهرباء المرتجعة أو التلاعب بأنظمة شحن العدادات مسبقة الدفع. الشعب المصري يستحق أن يعرف الحقيقة وأن يتم إيقاف هذا الفساد الذي ينهك اقتصاد البلاد ويزيد من معاناته.