تعتقد كثير من النخب العربية المهتمة بالتغيير الديمقراطي، أن الحالة السورية يمكن أن تعطي جرعةً جديدة لمحاولات التغيير السياسي السلمي، وتصحيح مسارات الانتقال الديمقراطي، وكسر الثورات المضادة التي نجحت بأساليب متعددة (انقلاب، صناعة الإرهاب، التفخيخ السياسي) وبتوظيف أدوات الدولة العميقة في إحباط مسارات التغيير السياسي بعد عام 2011. لذلك لم يكن غريباً تشكّل هذا الشعور السياسي بوجود إمكانية أن تشهد بعض الدول العربية محاولات جديدة للإصلاح السياسي وتصحيح المسارات السابقة.
في الواقع، ليست النخب السياسية فحسب من تولّد لديها هذا الشعور. الحكّام في الأنظمة المتشددة التي ما زالت تعتمد النهج الأمني ركيزةً أساسية في إدارة الشأن العام، أنفسهم، تولّدت لديهم المخاوف، وشعروا بأن الحالة السورية قد يجري تصديرها، أو أن تصدّر نفسها بنفسها، خصوصاً أن الضخّ الإعلامي المقبل من سورية كثيف ومؤثر، سواء على مستوى انكشاف الآثار الوخيمة للحكم التسلطي القائم على التوظيف المفرط للأجهزة الأمنية في سورية، أو للصورة المتسامحة التي ظهرت بها قيادة الثورة في سورية. ولذلك يتوجس حكّام بعض الدول العربية من تأثيرات الحالة السورية، خصوصاً أنها أعادت تأهيلاً مكثفاً لتيار إسلامي، كان يبدو للأنظمة العربية أنه جرى تحييده بفعل فشل (وإفشال) تجاربه السابقة.
هناك مشهد ظلّ يتكرر مع كل تغييرات تأخذ مدى جغرافياً، بحيث كان كل نظام قائم في دولنا العربية يعتبر أنه غير معني بالتغيير، وأنه أذكى بقدر ما من الأنظمة المتشددة الأخرى، ومتحكّم بالقدر اللازم في الوضع الداخلي، حتى يفاجأ بحراك الشارع وصعود مطالب التغيير، بما فيها الجزائر التي كان نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أشهراً فقط قبل الحراك الشعبي في فبراير عام 2019، يتخذ من الحالة السورية السابقة نموذجاً للتخويف من التغيير (رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق أحمد أويحيى قال في نوفمبر 2018، إن سورية بدأت بالورود وانتهت إلى البارود)، قبل أن يداهمه الحراك الشعبي .
لا تبدو الحالة السورية بصورتها الحالية قابلة للتصدير. ظروف سورية وجغرافيتها الداخلية والإقليمية أكثر تعقيداً من أي بلد عربي آخر، عدا عن أن هناك رصداً حذراً لمآلات الوضع في سورية مع الحكم الجديد. لكن وفي مقابل ذلك، ليس هناك مأمنٌ من أن تلقي الحالة السورية بتأثيراتها على أكثر من إقليم، وهي مؤهلة لتفعل ذلك بالتأكيد، ذلك أنه كلما اجتمعت ظروف القهر السياسي وتضخم الأجهزة الأمنية، وتنامي أحزمة الفقر الاجتماعي والعطالة، وغياب السياسات الرشيدة وعجز السياسات الاقتصادية المكلفة للمقدّرات العامة، وتفشي الفساد وتكرار أساليب صناعة الكارتيلات الناهبة للمقدرات العامة، وانسداد الآفاق المستقبلية بالنسبة للشباب، يُصبح العتب على الأنظمة المتكلسة التي لا ترى كيمياء الغضب، وليس على القادح الذي قد يصنع لحظة الثورة على الأوضاع ويفجر مكنون الشارع .