تتفاقم معاناة الشعب المصري في وقت من تدهور الأوضاع الاقتصادية والارتفاع الجنوني في أسعار السلع والخدمات، لا تزال الحكومة المصرية تحت قيادة مصطفى مدبولي تواصل سياستها المدمرة المتمثلة في منح أراضي الدولة للشركات الأجنبية، دون أي اعتبار لمصلحة المواطن المصري أو للأزمة المالية التي يعاني منها الشعب.
في هذا السياق، أعلن مدبولي عن خطط جديدة لتطوير منطقة الساحل الشمالي الغربي، التي تمتد على طول 260 كيلومترًا من الشواطئ، ليتم تقسيمها إلى ثلاث مناطق رئيسية، وهي رأس الحكمة، مرسى مطروح، وسيدي براني، وصولًا إلى السلوم، وذلك بهدف تحويلها إلى وجهة سياحية عالمية على أعلى مستوى.
خلال مؤتمر صحفي عقده رئيس الحكومة، أشار مدبولي إلى أن المنطقة التي تشمل هذه الشواطئ الجميلة سيتم استغلالها بشكل استراتيجي لتحفيز الاستثمارات السياحية.
وادعى أنه تم عقد اجتماع حكومي مهم هذا الأسبوع لوضع المخططات التفصيلية لتنفيذ هذا المشروع، والذي سيكون في النهاية وجهة سياحية عالمية من المفترض أن تجذب الاستثمارات الأجنبية وتساهم في زيادة العائدات من القطاع السياحي. ولكن، على الرغم من التصريحات المبالغ فيها، لا توجد أي ضمانات على أن هذه المشاريع ستعود بالنفع على المواطنين المصريين الذين يعانون من غلاء المعيشة وتدني الخدمات الأساسية.
إن تعاطي الحكومة المصرية مع هذه القضية يعد بمثابة إصرار على إهدار موارد الدولة لصالح شركات أجنبية لا مصلحة حقيقية لها في تحسين الوضع الاقتصادي لمصر أو دعم التنمية المحلية.
فمن جهة، الحكومة تُصر على إبرام اتفاقات مع شركات خارجية لاحتكار أراضي الدولة بأرخص الأسعار، وفي الجهة الأخرى، يعاني المواطن المصري من فشل الحكومات المتعاقبة في توفير الحد الأدنى من احتياجاته.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل تصريح مدبولي حول التقدم الملموس في قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة، حيث أعلن عن افتتاح محطة “أبيدوس 1” للطاقة الشمسية في كوم أمبو بمحافظة أسوان بقدرة إنتاجية تصل إلى 500 ميجاوات.
واللافت أن هذه المحطة تمت من خلالها استثمارات تجاوزت نصف مليار دولار، قامت بها شركة إماراتية. وهنا نجد الحكومة المصرية تكرر نفس السلوك المتمثل في استقدام استثمارات أجنبية في مشاريع حيوية بينما يظل الشعب المصري في معاناة مستمرة.
وبالإضافة إلى ذلك، وافق مجلس الوزراء على منح الرخصة الذهبية لشركة إماراتية أخرى لتنفيذ مشروع جديد للطاقة المتجددة بقدرة 1000 ميجاوات، مع 600 ميجاوات من بطاريات التخزين، لتضاف هذه الاستثمارات إلى سلسلة من المشاريع الأجنبية التي لا تقدم أي منفعة حقيقية للاقتصاد المحلي.
وتجدر الإشارة إلى أن مدبولي قد أعلن عن صفقة استثمار عقاري مع شركة “مُدن القابضة” الإماراتية في فبراير الماضي، بموجبها استحوذت الشركة على حقوق تطوير مشروع رأس الحكمة بمقابل 24 مليار دولار. في الوقت نفسه، تم تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية في البنك المركزي المصري لتستثمر في مشاريع رئيسية في كافة أنحاء البلاد.
ولكن هذه الصفقات التجارية لا تقتصر فقط على مجرد المشاريع العقارية بل تتعداها إلى ما هو أعمق في سياسات الحكومة المصرية التي تصر على تقديم أراضي الدولة للمستثمرين الأجانب، متجاهلة بذلك حقوق المواطنين المصريين في الاستفادة من هذه الثروات.
يجب أن نطرح التساؤل: أين مصلحة الشعب في هذه السياسات؟ كيف يمكن أن تستمر الحكومة في تجاهل أزمات المواطنين الذين يعيشون في فقر مدقع بينما تبذل كل جهد لجذب الاستثمارات الأجنبية، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح الشعب المصري؟
الحكومة المصرية في عهد مصطفى مدبولي تسير في طريق واحد هو تصدير أراضي الدولة والشواطئ المصرية للمستثمرين الأجانب، وهي بذلك تتجاهل تماما حقوق المصريين في الحصول على أراضٍ تُستخدم لتنمية مشروعات تخدم الشعب وتحد من البطالة وتساهم في تحسين مستوى المعيشة.
على الرغم من الحديث عن فرص السياحة التي قد يتيحها المشروع الجديد في الساحل الشمالي، فإن الواقع يعكس تحايل الحكومة على الشعب.
فلا وجود لأي خطة حقيقية للنهوض بالبنية التحتية المحلية أو تحسين الحياة اليومية للمواطن المصري. ما يهم الحكومة في المقام الأول هو تحقيق مكاسب مالية سريعة، بغض النظر عن تأثير هذه المشاريع على المواطنين، بل إنها تسعى أيضًا لتخفيف الأعباء المالية على خزينة الدولة من خلال توقيع اتفاقات مع الشركات الأجنبية التي ستستحوذ على هذه الأراضي بأسعار زهيدة.
من المؤسف أن الحكومة المصرية، بدلاً من أن تكون في خدمة الشعب وتعمل على حماية أراضي الدولة وتعظيم الاستفادة منها لصالح المواطنين، تواصل تدمير الاقتصاد المحلي لصالح قوى خارجية.
فمن ناحية يتم إهدار ثروات الدولة للمستثمرين الأجانب، ومن ناحية أخرى تستمر الحكومة في فرض الضرائب على الشعب، بينما تتنصل من مسؤولياتها في توفير احتياجاتهم الأساسية.
إن فساد الحكومة المصرية واضح في هذه السياسات التي تقدم الأراضي والإمكانيات المحلية على طبق من ذهب لمصلحة الأجانب في وقتٍ يغرق فيه المواطن المصري في الهموم اليومية.
فإن هذه السياسات، إن استمرت، ستجعل مصر دولة تحت سيطرة الشركات الأجنبية، حيث يظل المواطن المصري مجرد متفرج على مشهد انهيار اقتصاده وارتفاع مستوى الفقر.