في خطوة تصعيدية تعكس تهاون الحكومة في الوفاء بمسؤولياتها تجاه التعليم ومستقبل الأجيال القادمة أعلنت وزارة التربية والتعليم عن وضع ضوابط جديدة لحرمان الطلاب الذين يمتنعون عن دفع الرسوم الدراسية من حقهم في التعليم في المدارس الرسمية للغات، حيث سيتعرض هؤلاء الطلاب للتحويل القسري إلى مدارس التعليم العربي في حال تأخروا عن سداد المصروفات للعام الدراسي الماضي.
ما يبدو خطوة إدارية بسيطة في ظاهرها هو في جوهره محاولة لتقويض حق أبنائنا في التعليم الكريم تحت شعار الإجراءات القانونية، في تواطؤ واضح مع الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون بسبب السياسات الحكومية الفاشلة.
بدلاً من اتخاذ خطوات حقيقية للتخفيف من أعباء المواطنين الذين يعانون من تدهور الأوضاع الاقتصادية، تواصل الحكومة المصرية تطبيق قوانين تهدر حقوق المواطنين وتدفعهم إلى ما هو أسوأ من ذلك.
الحكومة التي تقف عاجزة عن معالجة أزمة الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، لا تجد بديلاً عن تحويل الطلاب إلى مدارس أقل مستوى بمجرد أن يتأخروا في سداد الرسوم أو يتم قطعهم عن المدرسة نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها أولياء الأمور.
ذلك هو الحل الذي تقدمه الحكومة بدلًا من إصلاح المنظومة التعليمية وتخفيف العبء عن المواطنين، وكأنها تقر بأن تعليم الأجيال القادمة ليس أولوية في خضم هذه الظروف.
التعليم الرسمي للغات، الذي يعد حلمًا للعديد من الأسر التي ترغب في تعليم أبنائها تعليمًا متميزًا، بات محكومًا بمقاييس مالية بحتة. حيث حددت الوزارة آلية واضحة تضمن تحويل الطلاب الذين لم يسددوا رسومهم المدرسية أو الذين انقطعوا عن الدراسة لفترة طويلة إلى مدارس التعليم العربي، وذلك بعد استنفاذ طرق عديدة لإخطار أولياء الأمور.
هذه الخطوة لا تسهم إلا في زيادة التوتر لدى الأسر التي تعاني من تراكم الأعباء المالية والتي تجد نفسها بين فكي كماشة من جهة الأزمات الاقتصادية ومن جهة أخرى هذه السياسات التي تفرض المزيد من التحديات على تعليم أبنائهم.
من المؤسف أن الوزارة قد اتخذت هذا القرار في وقت يعاني فيه المواطن المصري من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة، وهي ضغوط أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للأسر، مما جعل سداد الرسوم الدراسية أمرًا شبه مستحيل بالنسبة للكثيرين.
الحكومة، بدلاً من اتخاذ إجراءات عملية لمساعدة الأسر على تجاوز هذه الأزمة، اختارت أن تلاحق الطلاب وتضعهم في مأزق إضافي.
ما كان ينبغي أن يحدث هو العمل على تخصيص ميزانية أكبر لدعم التعليم ومنح الأسر التي تعاني من ضائقة مالية فرصة لسداد الرسوم على أقساط أو حتى توفير إعفاءات جزئية للمحتاجين. لكن يبدو أن الحكومة تفضل أن تترك أبناء الفقراء يواجهون مصيرهم القاسي.
وبحسب الإجراء الذي تم الإعلان عنه، تم تشكيل لجنة من المدرسة برئاسة المدير وبعض الأعضاء الآخرين للقيام بعملية حصر للطلاب الذين لم يسددوا الرسوم أو الذين انقطعوا عن التعليم لمدة عام أو أكثر.
الغريب في هذا الإجراء أنه يفرض تحويل الطالب إلى مدرسة رسمي عربي بمجرد التأكد من عدم سداد الرسوم أو انقطاع الطالب عن الدراسة دون الرجوع إلى ولي الأمر، وبذلك يتم التعامل مع الموضوع بمنتهى القسوة دون الأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة التي قد يمر بها الكثير من الأسر.
وعلى الرغم من أن الوزارة قد قالت إنها ستحاول إخطار أولياء الأمور عبر طرق مختلفة مثل البريد أو الهاتف أو مجموعات المدرسة، إلا أن هذه الآليات تظل قاصرة عن ضمان الوصول الفعلي إلى الأسر في ظل الظروف الحالية.
قد لا يكون لدى بعض الأسر القدرة على استقبال هذه الإخطارات بسبب نقص وسائل الاتصال أو بسبب انشغالهم بالبحث عن لقمة العيش، مما يزيد من تعقيد الوضع. ثم ماذا بعد ذلك؟ يتم تحويل الطالب إلى مدرسة تعليم عربي وهو قرار غير مدروس يعكس فشل السياسات التعليمية في توفير حلول بديلة تتناسب مع الواقع المعاش.
من الواضح أن هذا الإجراء ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من القرارات التي تؤكد على تدهور مستوى التعليم في مصر وعدم اهتمام الحكومة بتطويره.
بدلاً من أن تضع الحكومة خطة استراتيجية حقيقية للنهوض بالتعليم والتخفيف من تكاليفه على الأسر، تختار الوزارة دائمًا الحلول المؤقتة والظاهرة التي تزيد من تعقيد الأمور. التعليم أصبح سلعة يصعب على كثير من الأسر الحصول عليها، في وقت كان يجب فيه أن يكون التعليم حقًا للجميع، لكن الحكومة لا تكترث لذلك.
وهذا القرار هو مجرد مثال آخر على تلاعب الحكومة بمستقبل الأجيال القادمة، وهو رسالة غير مباشرة تؤكد أن السلطة لا تهتم بمصير الأطفال الذين يواجهون تحديات اقتصادية غير عادلة.
وفي ظل غياب حلول حقيقية لهذه الأزمة التي تواجه التعليم، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل: هل ستظل الحكومة تتجاهل معاناة المواطنين أم أن هناك أملًا في تغيير حقيقي؟