في قلب العاصمة القاهرة وتحديداً في منطقة السيدة زينب، يقع مسجد حسن باشا طاهر الذي يعتبر واحداً من أقدم المعالم الدينية في مصر.
تأسس هذا المسجد في العام 1224 هجري 1809ميلادي في فترة حكم أسرة محمد علي باشا، وتاريخ تأسيسه يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي عندما أنشأه الأمير جنكلي بن البابا في سنة 735 هجري 1335ميلادي، أي قبل أن يمر عليه أكثر من 500 عام.
في ذلك الوقت، كان المسجد يحمل اسم “مسجد جنكلي” نسبة إلى الأمير الذي أسسه، إلا أن التاريخ شهد تحولاً في هوية المسجد بعد تجديده في القرن التاسع عشر على يد حسن باشا طاهر، الذي قام بتوسعته وتجديد بنائه في العام 1224 هجري 1809ميلادي، ليتم تسميته “مسجد حسن باشا طاهر” نسبةً له، مع العلم أن أخاه عابدين بك طاهر شاركه في عملية التجديد تلك.
ورغم تاريخ المسجد العريق، فإن هذا المسجد الذي كان يعتبر من أهم معالم السيدة زينب قد وصل إلى حالة من التدهور والدمار، ليس فقط بسبب الإهمال المستمر الذي تعرض له، بل بسبب تقاعس واضح من الجهات المسئولة عن صيانته والاعتناء به.
إن المسؤولية عن هذا الفشل والدمار تتحملها جهات عدة، بدءًا من وزارة الأوقاف مرورًا بمحافظة القاهرة وصولاً إلى الحكومة المصرية التي لم تجد أية حلول جدية للحفاظ على هذا المعلم التاريخي الهام.
التقصير الحكومي والفساد المؤسسي
تعد وزارة الأوقاف هي الجهة المسئولة عن إدارة وصيانة المساجد في مصر، لكن على الرغم من المسؤوليات الملقاة على عاتقها، لم نشهد أي تحرك جاد من قبل هذه الوزارة تجاه مسجد حسن باشا طاهر. الوزير الحالي، الذي يفترض به أن يولي اهتمامًا خاصًا للمساجد التاريخية، غاب عن المشهد تمامًا.
هناك تجاهل تام من وزارة الأوقاف للأمور الحيوية المتعلقة بهذا المسجد، بل من المؤسف القول إن الجهود التي بُذلت في السنوات الأخيرة كانت غير كافية بالمرة، ولا توازي أهمية هذا الصرح الديني الذي يعود تاريخه إلى العصور الإسلامية القديمة.
أما محافظة القاهرة التي يفترض بها أن تكون المسئولة عن الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للمدينة، فلم تكن أفضل حالاً. لقد ثبت أن المحافظة قد تقاعست عن أداء واجبها، بل كان هناك إهمال متعمد في صيانة المسجد وتجديد بنيته التحتية.
ولسنوات طويلة، ظل هذا المسجد في حالة يرثى لها، من دون أية جهود تذكر لإصلاح الأضرار التي لحقت به، مما أدى إلى تداعيات جسيمة على هذا المعلم الديني الهام.
ولا تقتصر المسؤولية على وزارة الأوقاف ومحافظة القاهرة فقط، بل تمتد أيضًا إلى الحكومة المصرية التي تتحمل النصيب الأكبر من الفشل. في ظل عجز الحكومة عن وضع خطة واضحة لحماية وترميم المعالم التاريخية، وجدنا أن مسجد حسن باشا طاهر يذوي تدريجياً ويغرق في الإهمال.
بدلًا من تخصيص الموازنات الضرورية لهذا القطاع الهام، كانت هناك أموال تُنفق في مجالات أخرى دون النظر إلى الحفاظ على التراث الديني والثقافي الذي يشكل جزءًا كبيرًا من هوية الشعب المصري. لقد أثبتت الحكومة المصرية أن الاهتمام بالمساجد التاريخية ليس ضمن أولوياتها.
فساد إداري وإفلاس في الحوكمة
إن فساد الإدارة المحلية في محافظة القاهرة ووزارة الأوقاف لا يمكن أن يمر مرور الكرام. فعلى الرغم من الأموال التي تُخصص سنويًا لصيانة وترميم المساجد، إلا أن تلك الأموال تُبدد في مشاريع لا تحقق أهدافها.
وبالنظر إلى حالة المسجد الحالية، نجد أن الأموال التي تم صرفها على الترميم والإصلاح في الأعوام الماضية قد ذهبت هباءً، بينما لا تزال البنية التحتية للمسجد في أسوأ حالاتها. هذه الفوضى الإدارية وغياب الشفافية يعكس فسادًا مستشريًا في مؤسسات الدولة، حيث يُصرف المال العام في اتجاهات غير صحيحة، ويبقى المواطنون والآثار التاريخية ضحايا لهذا الفساد الممنهج.
الوضع الحالي للمسجد
وصل حال المسجد اليوم إلى وضع لا يمكن أن يصدقه العقل. ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يكون هذا المسجد أحد المعالم الإسلامية الهامة في القاهرة، إذا به يتعرض للغرق والتدهور المستمر بسبب الإهمال المستمر من كافة الجهات المسئولة.
خلال السنوات الماضية، تعرض المسجد للعديد من المشكلات الهيكلية، بما في ذلك تسرب المياه من سقفه، مما أدى إلى تعرض الجدران والأعمدة الرخامية للتآكل. السقف الخشبي الذي كان يتوسطه منور أو شخشيخة أصبح في حالة يرثى لها، وبات مهددًا بالانهيار في أي لحظة.
كما أن الأعمدة الرخامية التي كانت تزين المسجد لم تعد قادرة على تحمل الضغط الناتج عن الظروف البيئية الصعبة، مما يعرضها للتآكل المستمر.
أين هي جهود وزارة الأوقاف لحماية هذا المعلم التاريخي؟ أين هي الجهود من جانب محافظة القاهرة لتحسين وضع المسجد وصيانته؟ كل هذه الأسئلة تبقى بلا إجابة، بينما المسجد في تدهور مستمر.
للأسف، فقد أصبح المسجد الذي كان يومًا ما مَعلمًا عريقًا في المنطقة يشهد على تاريخ طويل من التضحيات والموروثات الثقافية، مكانًا يُختزل في تذكره كذكرى على ما كان عليه.
المسئولية الكبرى للحكومة
من المؤسف أن نرى كيف أن الحكومات المتعاقبة لم تولِ أي اهتمام حقيقي لهذه المعالم، بل عملت على إهمالها والتغاضي عن ضرورة العناية بها.
إن الحكومة المصرية مسؤولة بشكل كامل عن فشل هذه المشاريع، والتي كان من المفترض أن تكون جزءًا من سياستها للحفاظ على التراث الوطني. أموال الدولة تُصرف في غير مواضعها بينما تُركت مساجد تاريخية مثل مسجد حسن باشا طاهر لتغرق في الإهمال.
إن المواطن المصري اليوم أصبح يعلم أن الحفاظ على التراث الثقافي والديني في مصر ليس أولوية حكومية. لو كانت الحكومة بالفعل تهتم بهذا التراث، لما شهدنا هذا الإهمال، ولكانت قد وضعت خطة شاملة لصيانة وترميم المساجد التاريخية، مثلما فعلت بعض الدول التي تعطي اهتمامًا بالغًا للتراث الثقافي.
لكن في ظل الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية، فإننا نعلم تمامًا أن تلك الأولوية لن تأتي في المستقبل القريب.
إغلاق قضية الفساد
إن فضيحة إهمال مسجد حسن باشا طاهر تتجاوز كونه حادثًا عرضيًا أو إغفالًا غير مقصود. بل هو نتيجة واضحة لفساد مستشري وتقصير غير مقبول من وزارة الأوقاف، محافظة القاهرة، والحكومة المصرية.
هؤلاء المسئولون الذين يفترض بهم الحفاظ على التراث الوطني قد فشلوا في تنفيذ واجبهم، وتركوا هذا المسجد العريق يواجه مصيره المحتوم في غياب الاهتمام الحكومي.
إن تدمير مثل هذه المعالم التاريخية يضر بسمعة الدولة ويزيد من فقدان الثقة في مؤسساتها. إن الحكومة، بدلًا من أن تكون في طليعة الحفاظ على التراث الوطني،
أصبحت أحد الأسباب الرئيسية لتدهور هذه المعالم. من المؤسف أن تكون وزارة الأوقاف ومحافظة القاهرة والحكومة المصرية جميعهم شركاء في هذا الفشل الذريع.