في ظل التصريحات التي أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حول تأسيس العاصمة الإدارية الجديدة دون تحميل الدولة أي أعباء مالية فاجأت هذه التصريحات الكثير من المراقبين والمتابعين للحالة الاقتصادية والمالية في مصر،
فبدلاً من أن يتم تسليط الضوء على كيفية تمويل هذه المشاريع الضخمة بطريقة شفافة ومعقولة، تبين أنه تم الاعتماد على القروض الخارجية،
وهي الحقيقة التي تثير العديد من التساؤلات حول كيفية استدامة هذه المشاريع وهل تعود بالنفع الحقيقي على الاقتصاد المصري في المستقبل أم تساهم في زيادة أعباء الدين الخارجي بشكل غير مسبوق، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية تشهد تدهورًا مستمرًا نتيجة للسياسات الحكومية الفاشلة.
في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تكون المشروعات القومية في صالح المواطن المصري وأن تحقق تطورًا ملموسًا ينعكس على تحسين مستوى حياته اليومية، يبدو أن الحكومة المصرية تسير في اتجاه مختلف تمامًا من خلال اعتمادها على القروض التي تضع الدولة في دائرة دائمة من الاستدانة مع شركات ومؤسسات خارجية، ليصبح الشعب المصري ضحية لتلك السياسات التي تضعه في النهاية أمام دمار اقتصادي من دون أن يكون له نصيب من فوائد هذه المشاريع على المدى القريب أو البعيد.
من أبرز المشاريع التي تم تنفيذها في العاصمة الإدارية الجديدة و التي كانت موضوعًا رئيسيًا في خطط الحكومة هو مشروع محطة الكهرباء التي تم تمويلها بقيمة 2.041 مليار يورو، حيث تم الاتفاق مع مستثمرين أجانب لتمويل المشروع، ويظهر من هذه الخطوة مدى تعاطي الحكومة مع الشركات الأجنبية بشكل يضر بالاقتصاد المصري على المدى الطويل.
الحكومة تقترض من الخارج لتنفيذ مشروعات يُفترض أن تعود بالنفع على المواطنين لكن هذه المشروعات تمثل عبئًا جديدًا على خزينة الدولة في المستقبل القريب مع تضخم الديون الخارجية.
أما مشروع حي المال الذي يعد من أهم المشاريع في العاصمة الإدارية الجديدة فقد تم تمويله عبر قرض بقيمة 3 مليارات دولار، وهو ما يثير تساؤلات جديدة حول جدوى هذه المشاريع التي تأتي على حساب الدين الخارجي في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد المصري إلى المزيد من التوازن بين المشاريع التنموية والالتزامات المالية.
هذا المشروع هو عبارة عن منطقة اقتصادية ضخمة تضم العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية التي ستتم إدارتها من قبل مستثمرين دوليين وهو ما يجعل الأموال التي يتم ضخها فيه تدور في حلقة مفرغة ولا تعود بالفائدة على الشعب المصري.
ولم يتوقف الأمر عند هذه المشاريع فحسب، بل شمل أيضًا مشروع القطار السريع الذي تم تمويله بقيمة 1.2 مليار دولار، وهو مشروع استراتيجي يهدف إلى ربط العاصمة الإدارية الجديدة بمناطق أخرى في البلاد، لكن السؤال يبقى حول فائدة هذه المشاريع على المدى الطويل في ظل غياب السياسات التي تضمن تحسن الوضع الاقتصادي للمواطنين.
تم الإعلان عن هذا المشروع باعتباره من المشاريع العملاقة التي ستسهم في تطوير قطاع النقل في مصر، ولكن في الواقع، هناك غموض يحيط بتفاصيل التمويل وكيفية استرجاع الأموال المدفوعة في القروض، مما يزيد من القلق بشأن تأثير هذه المشاريع على الدين العام.
أما بالنسبة لمشروع المونوريل الذي تم تمويله بقيمة 1.88 مليار يورو، فهو من المشاريع الأخرى التي تثير العديد من التساؤلات حول فاعليته وجدواه في السياق المصري.
على الرغم من ضخ هذه المبالغ الكبيرة في هذا المشروع، إلا أن الحكومة المصرية تتبنى سياسة لا تسعى إلى توفير حلول حقيقية للمشكلات التي يعاني منها المواطن المصري، مثل البطالة والفقر والتضخم.
هذه المشاريع على الرغم من حجمها الضخم إلا أنها تمثل عبئًا ماليًا آخر على الشعب، ولا توجد أي ضمانات بخصوص الفوائد الاقتصادية المتوقعة من تنفيذ هذه المشروعات.
فيما يتعلق بالمرافق الخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة، فإن الحكومة المصرية قد خصصت نحو 17 مليار جنيه من ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية لتغطية تكاليف البنية التحتية والمرافق، إلا أن هذا المبلغ الضخم لا يعكس فقط حجم الفساد الذي طال عملية التخطيط والتنفيذ لهذه المشاريع، بل يدل أيضًا على فشل الحكومة في إدارة الموارد المالية بشكل صحيح.
هذه الأموال التي يتم إنفاقها على مرافق العاصمة الجديدة كان من الأجدر أن يتم توجيهها إلى مشاريع تنموية أخرى تخدم المواطنين بشكل مباشر، مثل مشاريع الصحة والتعليم والإسكان الاجتماعي، التي تعاني من نقص شديد في التمويل.
إن التقاعس الواضح من الحكومة المصرية في مراقبة وتوجيه الأموال العامة بالشكل الأمثل يؤدي إلى إهدار غير مبرر للموارد المالية في مشاريع غير مجدية على المدى البعيد، ويجعل المواطن المصري يكتوي بنار الأزمات الاقتصادية التي خلقها الفساد وسوء الإدارة.
الحكومة الحالية بدلًا من أن تلتزم بسياسات اقتصادية تحقق الاستدامة وتساعد على تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، تواصل السير في نهج تمويل المشاريع الكبرى عن طريق القروض التي تزيد من أعباء الديون الخارجية.
إن هذه المشاريع الضخمة في العاصمة الإدارية الجديدة تمثل صورة صادقة للفساد الإداري والمالي الذي يعصف بالدولة المصرية، ولا شك أن تلك الأموال التي يتم اقتراضها من المؤسسات الدولية ستظل تشكل عبئًا على الأجيال القادمة دون أن يشعر المواطن المصري بأي تحسن حقيقي في مستوى حياته.
فمن الواضح أن الحكومة المصرية تواصل توجيه الأموال للمشاريع الكبيرة التي تضر بالاقتصاد وتزيد من التبعية للخارج، بينما تظل مشاكل المواطنين الأساسية بدون حلول حقيقية.