تقاريرفلسطين

الحرب تدمر غزة: انهيار 86% بالاقتصاد و91% من السكان يواجهون المجاعة

تشهد فلسطين واقعا كارثيا غير مسبوق بفعل الحرب الدامية في قطاع غزة والتي اندلعت في 7 أكتوبر الماضي. هذا الصراع الذي تفاقم بصورة مروعة جعل الاقتصاد الفلسطيني في حالة انهيار،

حيث شهدت القطاعات الاقتصادية المختلفة تدهوراً لم يسبق له مثيل، ما يعرض الشعب الفلسطيني إلى معاناة اقتصادية وإنسانية هي الأسوأ في تاريخ المنطقة الحديث.

في تقرير حديث صدر عن البنك الدولي، تم الكشف عن الأرقام الصادمة التي تؤكد أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد الفلسطيني بأكمله.

فقد سجلت هذه الحرب تراجعاً غير مسبوق في الناتج المحلي الإجمالي لغزة، والذي انهار بنسبة 86% في نهاية النصف الأول من عام 2024، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

هذا الانهيار لم يقتصر فقط على غزة بل امتد إلى الضفة الغربية المحتلة حيث شهدت هي الأخرى انخفاضاً كارثياً بنسبة 26%.

هذا الانهيار الاقتصادي لم يكن مفاجئاً بالنسبة للمتابعين، بل كان نتيجة مباشرة لحجم التدمير الذي ألحقته الهجمات الإسرائيلية المتواصلة بالبنية التحتية، والمؤسسات الاقتصادية، والمرافق الحيوية في القطاع.

فالمدن أصبحت أنقاضاً، والاقتصاد أصبح في حالة شلل تام. لم تعد هناك قدرة على الإنتاج، ولا على استيراد المواد الأساسية، مما أدى إلى شلل اقتصادي غير مسبوق.

من أبرز نتائج هذا التدهور الاقتصادي هو الارتفاع الجنوني في معدلات التضخم في قطاع غزة، حيث قفز التضخم بنسبة 300% خلال الاثني عشر شهراً التي سبقت أكتوبر.

لم يكن هذا التضخم مجرد أرقام صماء، بل ارتفعت معه أسعار المواد الغذائية بنسبة 440%، وأسعار الطاقة بأكثر من 200% نتيجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بإمدادات الكهرباء والوقود وتدمير محطات الطاقة الأساسية. أدى هذا الوضع إلى نقص شديد في المواد الغذائية الأساسية والوقود، ما جعل الحياة اليومية في غزة لا تطاق.

هذا الوضع جعل الغالبية الساحقة من سكان غزة على حافة انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث أشار البنك الدولي في تقريره إلى أن 91% من سكان غزة يواجهون الآن خطر انعدام الأمن الغذائي.

وأضاف التقرير أن 875 ألف شخص يعيشون في مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي، بينما يواجه 345 ألف شخص وضعاً كارثياً. هذه الأرقام المروعة تعكس حالة اليأس والانهيار التي يعيشها القطاع الذي أصبح فعلياً خارج نطاق الحياة الطبيعية.

لا تقتصر الكارثة الإنسانية في غزة على الجوع والعوز، بل تمتد إلى الأوضاع الصحية المتدهورة التي تتفاقم يوماً بعد يوم. في ظل الحصار والقصف المتواصل، أصبحت المستشفيات والمرافق الصحية هدفاً مباشراً للهجمات الإسرائيلية.

فمثلاً، تعرض مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع إلى قصف عنيف، حيث أطلقت الطائرات الإسرائيلية المسيّرة أكثر من عشر قنابل على المستشفى، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه وتعطيل خدماته الطبية بشكل كامل. لم يتوقف العدوان عند القصف الجوي، بل تم الدفع بثلاثة روبوتات متفجرة في محيط المستشفى لتكمل المشهد الدموي.

نتيجة لهذا العدوان المتواصل، يعاني مستشفى كمال عدوان من انقطاع كامل في التيار الكهربائي، ما أدى إلى توقف معظم المعدات الطبية الحيوية عن العمل.

هذا بالإضافة إلى نفاد الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية، ما يعرض حياة مئات المرضى للخطر المباشر، خاصة أولئك الذين يعتمدون على الأجهزة الطبية الحيوية مثل أجهزة التنفس والعناية المركزة.

في ظل هذا الوضع، أصبحت غزة منطقة منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث لا توجد إمكانية لتقديم الرعاية الطبية الأساسية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها.

إن استمرار الهجمات العنيفة على المستشفيات في غزة يعكس حجم الأزمة الإنسانية التي تعصف بالقطاع، إذ أصبح تدمير المستشفيات والمرافق الصحية جزءاً من الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، بهدف ترك الفلسطينيين يواجهون الموت البطيء سواء نتيجة القصف أو انعدام الخدمات الطبية والغذائية الأساسية.

في هذا السياق، تتساءل المنظمات الإنسانية والدولية عن مدى أخلاقية واستمرارية هذا العدوان الذي لا يفرق بين مدني ومقاتل، ولا يستثني حتى المؤسسات الصحية التي من المفترض أن تكون مناطق محايدة بموجب القوانين الدولية. وتتصاعد الأصوات المطالبة بوقف هذا العدوان غير المبرر، والذي لا يؤدي إلا إلى تعميق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة.

ومع استمرار هذا الوضع المأساوي، تتجه الأنظار إلى المجتمع الدولي الذي يقف عاجزاً عن التدخل الفعّال لوقف هذه الكارثة.

فأين دور الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية التي تدعو إلى السلام وحقوق الإنسان؟ هل ستكون غزة مجرّد صفحة أخرى في تاريخ الإهمال الدولي، أم ستتحرك الدول الكبرى لإنقاذ ما تبقى من القطاع قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة؟

لا شك أن الوضع في غزة يتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الكارثة المحققة التي تهدد حياته ومستقبله.

هذا الانهيار الاقتصادي والإنساني يجب أن يكون جرس إنذار يدق في كل مكان، فغزة أصبحت اليوم ساحة للدمار، والمجتمع الدولي بأكمله مطالب بتحمل مسؤولياته قبل فوات الأوان.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى