تمكنت الأجهزة الرقابية في محافظة أسيوط بالتعاون مع مديرية الصحة بالمحافظة من ضبط مخزن أدوية غير مرخص في مدينة أسيوط يحوي كميات ضخمة من الأدوية التي تعود ملكيتها لوزارة الصحة وتعتبر غير مصرح بتداولها.
وقد جاءت هذه الحملة المفاجئة لتفضح مجددًا حجم الفساد المستشري في مؤسسات الحكومة الصحية، حيث ثبت أن المخزن كان يضم أدوية مملوكة للوزارة، مما يثير تساؤلات كبيرة حول كيفية وصول هذه الأدوية إلى تلك الأماكن غير القانونية.
إن هذه الحادثة تكشف بصورة صارخة عن فشل الحكومة في إدارة القطاع الصحي، وتفتح المجال للتحقيق في كافة أوجه الفساد المالي والإداري الذي يعصف بهذا القطاع الحيوي.
تُظهر هذه الواقعة خللاً عميقًا في منظومة الرقابة والإشراف على الأدوية داخل الدولة، مما يعكس ضعف الأداء الحكومي في التصدي لهذه الانتهاكات التي تهدد صحة المواطنين.
فإذا كانت الأدوية المملوكة لوزارة الصحة والمتواجدة في هذا المخزن ممنوعة من التداول، فمن المسؤول عن تسريبها؟ ومن الذي سمح بوجودها في مكان غير مرخص لهذه الغاية؟ إن الحكومة التي تعاني من نقص مزمن في الأدوية داخل مستشفياتها وصيدلياتها، تأتي هذه الواقعة لتضيف مزيدًا من الاتهامات لها بالتقصير بل وبالفساد الممنهج الذي يسمح بتسريب الأدوية من مستودعات الوزارة إلى سوق غير قانوني.
تعد هذه الحادثة من أكثر الأمثلة وضوحًا على الفساد المالي والإداري الذي يعصف بمؤسسات الدولة وخاصة في وزارة الصحة، التي تسعى لتوفير الأدوية للمواطنين وتواجه في الوقت نفسه نقصًا شديدًا في العديد من الأدوية الأساسية.
ورغم الشكاوى المستمرة من نقص الأدوية في المستشفيات والصيدليات التابعة للحكومة، إلا أن هذه الحملة الأخيرة تكشف أن هناك من يتربح على حساب صحة المواطنين من خلال تجارة الأدوية الممنوعة وغير المصرح بتداولها.
إن فتح تحقيق جاد في هذا الشأن أصبح ضرورة ملحة ليس فقط لمعرفة من المسؤول عن هذا التسريب الكبير للأدوية من وزارة الصحة إلى السوق السوداء، ولكن أيضًا من أجل مكافحة الفساد المالي والإداري الذي يضرب أطنابه في هذه المؤسسات.
فوجود مخزن غير مرخص يحتوي على أدوية حكومية مسروقة يفتح بابًا واسعًا للتحقيقات حول كيفية تصريف هذه الأدوية ومن يقف وراء هذا الانتهاك الكبير الذي يتعارض مع مصالح المواطنين.
ورغم كثرة الشكاوى من تردي الأوضاع الصحية داخل المستشفيات الحكومية، لا تزال الحكومة غير قادرة على معالجة هذه الأزمة بصورة جذرية. بل إن هذه الحادثة تُظهر بوضوح تقاعسها عن مواجهة الفساد المتفشي في القطاع الصحي بشكل عام. فالأدوية التي كان من المفترض أن تُوزع على المستشفيات الحكومية والمواطنين، يتم احتكارها في أسواق غير قانونية على يد أفراد لا يتورعون عن ارتكاب هذه الجرائم لتحقيق أرباح شخصية. هذه الأدوية التي كان من المفترض أن تنقذ حياة المرضى، تُباع في الظلام بعيدًا عن أعين الرقابة، مما يعرض صحة المواطنين للخطر.
كما تطرح هذه الحادثة علامات استفهام كبيرة حول حجم الفساد المستشري داخل الوزارات الحكومية، والذي يُسهم في استمرار الأزمة الصحية في البلاد. إذا كانت هذه هي حالة وزارة الصحة، فما هو الحال في باقي المؤسسات الحكومية الأخرى؟ وكيف يمكن أن تُوضع ثقة المواطنين في حكومة لا تكترث بسلامتهم أو بمصالحهم الأساسية؟ ومن هنا تأتي ضرورة إجراء تحقيق شامل لكشف جميع المتورطين في هذه الجريمة الاقتصادية، بما في ذلك تحديد المسؤولين الذين سمحوا بوجود هذه الأدوية في المخزن غير المرخص.
إن هذه الواقعة تؤكد أن الأزمات الصحية التي يعاني منها الشعب المصري لا يمكن أن تُحل إلا من خلال تغييرات جذرية في أسلوب إدارة القطاع الصحي. ولن يتحقق ذلك ما لم يتم القضاء على الفساد المستشري في هذا القطاع، وإجراء تعديلات جادة على السياسات الصحية التي تهدف إلى حماية حقوق المواطنين وتحقيق العدالة الصحية لهم. فإذا كانت الحكومة عاجزة عن حماية الأدوية التي تملكها من السرقة والتوزيع غير القانوني، فما الذي يمكن توقعه من حكومة غير قادرة على توفير أبسط احتياجات المواطن الصحية؟
إن التقاعس الحكومي عن محاسبة المتورطين في هذه القضية هو بمثابة رسالة إلى جميع المسؤولين عن القطاع الصحي بأنهم في مأمن من العقاب. وهذا ما يؤدي إلى المزيد من الفوضى والفساد في المؤسسات الحكومية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين وصحتهم. فإلى متى ستستمر هذه الحال؟ وإلى متى ستظل الحكومة المصرية عاجزة عن فرض الرقابة الحقيقية على المؤسسات الصحية؟
وتؤكد هذه الحادثة أن التغيير الحقيقي في قطاع الصحة يتطلب إرادة قوية لمكافحة الفساد وإعادة ترتيب الأولويات بما يخدم مصلحة المواطن. فالصحة حق للجميع، ولا يجوز التفريط فيها تحت أي ظرف من الظروف. وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها بالكامل وتفتح التحقيقات اللازمة لضمان محاسبة جميع المسؤولين والمتورطين في هذه الفضيحة، ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه العبث بمصالح الوطن والمواطنين.