حكومة مصر الحالية تواصل اتخاذ قرارات كارثية تزيد من معاناة الشعب وتقوض أفق الاقتصاد الوطني فبعد فترة قصيرة من إقرار قرض بملياري دولار من الإمارات دخلت الحكومة في دائرة جديدة من الديون التي تهدد مستقبل البلاد القريب ويأتي ذلك في وقت لا يتوقف فيه النقاش حول ضرورة معالجة الأزمات الاقتصادية المتراكمة
حيث تواصل الحكومة نهجها في الحصول على قروض جديدة دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي قد تلحق بالاقتصاد الوطني في المستقبل القريب القروض التي حصلت عليها الحكومة مؤخرا هي جزء من مسلسل طويل من التورط في ديون باتت تهدد الاستقرار المالي للبلاد وفي وقت يشهد فيه الاقتصاد تدهورا واضحا يعكس تقاعس الحكومة في اتخاذ التدابير اللازمة لإنقاذ البلاد
قد يكون السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه الآن هو أين تذهب هذه الأموال المخصصة للقروض هل هي فعلاً تستثمر في مشروعات استراتيجية تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي أم أن القروض هي مجرد مسكنات قصيرة الأجل هدفها فقط تغطية العجز المستمر في الميزانية في ظل ضعف الإيرادات واستمرار ارتفاع الديون الداخلية والخارجية
وهنا يبرز السؤال الأكبر كيف ستتمكن الحكومة من الوفاء بتلك الديون في المستقبل القريب وهي في الأساس لا تملك أي قدرة حقيقية على تحسين الوضع المالي مع تراجع الإنتاج المحلي وزيادة عجز الميزان التجاري
الديون الجديدة تأتي في وقت حساس إذ أن التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري أكبر من أي وقت مضى فمع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع معدلات البطالة لا يبدو أن الحكومة تتعامل مع هذه القضايا الأساسية بالكفاءة اللازمة
ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تحتاج إلى حلول طويلة الأجل لمعالجة جذور المشكلة الاقتصادية نجدها تتجه إلى القروض كحل سريع ووقتّي ربما يضمن استمرارية الحكومة لفترة أطول ولكنه يؤدي في النهاية إلى تراكم الديون بصورة خطيرة تتزايد كلما تم اتخاذ قرار بالاقتراض
إن السياسات الاقتصادية الحالية للحكومة تعكس فشلاً ذريعًا في وضع استراتيجيات تنموية حقيقية تعتمد على تنويع مصادر الدخل الوطني وتنشيط القطاعات الإنتاجية وتعزيز الاستثمارات المحلية بدلاً من الانغماس في الديون التي لا يبدو أن لها أي نهاية
فالحكومة تواصل تجاهل ضرورة تطوير الصناعة المحلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المنتجات الأساسية في وقت نرى فيه تزايدًا مستمرًا في الاعتماد على الواردات من الخارج وتدهور الوضع الزراعي والصناعي في الداخل ما يفاقم من الأزمات الاقتصادية في جميع القطاعات
على الرغم من الوعود المتكررة بتحقيق استقرار اقتصادي ومالي فإن الواقع يكشف عن تناقضات واضحة بين ما يتم الإعلان عنه في البيانات الحكومية وبين ما يحدث على الأرض
ففي الوقت الذي تطالب فيه الحكومة المواطن بالصبر على الوضع الاقتصادي الصعب فإن هذا المواطن يجد نفسه في مواجهة مع تدهور مستويات معيشته وانهيار القوة الشرائية للعملة المحلية في ظل الأسعار المتصاعدة التي لم تجد الحكومة لها أي حلول حقيقية حتى الآن
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فالحكومة استمرت في توقيع اتفاقيات قروض جديدة وتسهيلات مالية من الخارج بما في ذلك قروض ضخمة من دول ومؤسسات دولية تساهم بشكل مباشر في زيادة ديون البلاد في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن فساد المحليات وغياب الرقابة على العديد من المؤسسات التي تستنزف الموارد المالية للدولة دون أي جدوى حقيقية فمن خلال التجارب السابقة نرى أن الأموال التي تم اقتراضها لم تساهم في تحفيز الاقتصاد بقدر ما ساهمت في تكريس سياسات فاشلة تزداد تعقيدًا مع مرور الوقت
من المؤكد أن استمرار الحكومة في هذه السياسات دون مراعاة للمستقبل سيؤدي إلى تفاقم أزمة الديون الخارجية وزيادة الضغوط على الموازنة العامة للدولة وبالتالي سيؤثر ذلك على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها سواء في سداد الأقساط أو حتى توفير احتياجات المواطنين الأساسية وفي هذه الحالة تصبح الحلول المتاحة أكثر صعوبة وأشد مرارة فبمزيد من القروض تصبح البلاد في حلقة مفرغة من الديون التي لا يمكن الخروج منها بسهولة
التفكير في القروض الخارجية كحل دائم لا يمثل بأي حال من الأحوال استراتيجية اقتصادية سليمة بل هو ببساطة تغطية مؤقتة للعيوب الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري فمن الضروري أن تعيد الحكومة النظر في أولوياتها الاقتصادية من خلال التركيز على تطوير المشاريع الإنتاجية وتحفيز القطاع الخاص وتحقيق تنمية شاملة بدلًا من إغراق البلاد في الديون التي تهدد السيادة الاقتصادية وتضع الاقتصاد الوطني في حالة هشاشة قد تؤدي إلى مزيد من الأزمات
أما المواطن المصري فهو في قلب هذه الأزمة حيث يواجه يوميًا تحديات ضخمة نتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة في وقت لا يجد فيه أي حلول حقيقية لتخفيف العبء عنه إذ أصبحت الأسعار في الأسواق تشهد ارتفاعًا مستمرًا نتيجة لتدهور العملة الوطنية وتراجع قدرتها الشرائية كما أصبحت الحياة اليومية بالنسبة للمواطنين أكثر صعوبة في ظل تزايد معدلات الفقر والعوز وسط غياب تام للحلول الفعالة من الحكومة
إذا استمرت الحكومة في نهجها هذا وتجاهلها للواقع الاقتصادي فإن الأيام المقبلة قد تشهد تبعات خطيرة تترك آثارًا مدمرة على المدى الطويل اقتصادًا متدهورًا ومستقبلًا غامضًا قد لا يكون في مصلحة الأجيال القادمة فمن الضروري أن تتوقف الحكومة عن تعميق الأزمات وتبدأ في اتخاذ خطوات جادة نحو إصلاح اقتصادي حقيقي يعتمد على رؤية استراتيجية بعيدة المدى لا تعتمد على القروض كحلول مؤقتة بل على تنمية حقيقية تسهم في بناء اقتصاد قوي ومستدام
فإن الواقع الاقتصادي الحالي يتطلب تحركًا سريعًا وجادًا من الحكومة لتجنب المزيد من الانزلاق إلى أزمة أكبر فالحكومة مسؤولة أمام الشعب والأجيال القادمة عن الخيارات الاقتصادية التي تتخذها وأن الاستمرار في التورط في المزيد من الديون دون حلول حقيقية سيكون له عواقب وخيمة على المستقبل الاقتصادي للبلاد