تقاريرثقافة وفنون

فضيحة عودة ضياء مكاوي تكشف فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة وإقالته تهدئة الرأي العام

تتداول أروقة الهيئة العامة لقصور الثقافة أنباءً صادمة عن احتمالية عودة ضياء مكاوي إلى منصب رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي، وذلك رغم سجلّه الحافل بالتجاوزات والفساد المالي والإداري الذي لا يعد ولا يحصى، الذي تجاوز كل الحدود ليغرق في مستنقع الرذيلة، في مشهدٍ يفوح برائحة الفساد والفضائح، ويثير الاشمئزاز والغضب بين العاملين والمتابعين للشأن الثقافي.

يبدو أن قرار إقالة ضياء مكاوي، الذي يُشاع أنه جاء لتهدئة الرأي العام داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، لم يكن في حقيقة الأمر لمعالجة الفساد المستشري في هذه الهيئة.

فحتى الآن، لم يصدر أي قرار رسمي بهذا الشأن، مما يكشف بشكل واضح الانهيار الذي تشهده منظومة المحاسبة داخل مؤسسات الدولة، فضلاً عن تواطؤ الجهات المسؤولة في التغطية على الفساد وحماية الفاسدين.

وزارة الثقافة تتجاهل هذا الفساد بشكل صارخ، إذ تغض الطرف عن كل ما يحدث وكأنها عاجزة عن محاسبة من ارتكبوا جرائم واضحة ضد المال العام والقيم الإدارية.

الحديث عن عودة ضياء مكاوي بعد إقالته لا يعكس فقط عجز وزارة الثقافة، بل يكشف عن فشل ذريع في تطبيق القانون ومحاسبة الفاسدين.

إذا صح ما يقال عن عودته، فإن محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، يدفع هذه الهيئة نحو الصعود إلي الهاوية، لا خلاص منها.

حيث ما زال ضياء مكاوي، الذي أطاحت به موجة من الفضائح والتجاوزات، يصرّ على أنه فوق المحاسبة والقانون .. فمنذ إقالته، لم يقم بتقديم أي إجازة رسمية، وبدلاً من ذلك، يجلس في منزله، متجاهلاً كافة القوانين التي تقتضي فصل أي موظف ينقطع عن العمل لمدة 15 يوماً متواصلة.

ومع ذلك، يبدو أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تتغاضى عمداً عن محاسبته على هذا التصرف، مما يعكس مدى تحكم مكاوي ونفوذه داخل الهيئة، وكأنها عزبة خاصة يديرها كما يشاء.

وبينما يواصل مكاوي تحديه الصارخ للقانون، فإن فرع ثقافة أسيوط يعيش حالة من الشلل التام. فبعد إقالته، تُرك الفرع دون مدير عام يسير أعماله، ما أدى إلى توقف العمل تماماً، حيث يخشى العاملون التوقيع على المستندات الرسمية خوفاً من بطش مكاوي، الذي لا يزال يمارس نفوذه رغم إقالته.

المادة 34 من قانون الخدمة المدنية تنص بوضوح على أن غياب شاغل وظيفة قيادية يجب أن يتم تعويضه فوراً بمن يليه في الأقدمية، ولكن الهيئة تتجاهل هذا القانون، وتسمح للفوضى بالانتشار.

أما عن الجانب المالي، فإن فضائح ضياء مكاوي لا تتوقف عند حد التجاوزات الإدارية، بل تتعداها إلى سرقة المال العام علناً. فاللائحة تفرض أن الجهود الشهرية لرؤساء الإدارات المركزية يجب أن تكون بنسبة 625% من أساسي الراتب، ولكن مكاوي، الذي تم تفويضه من قبل رئيس الهيئة، استغل هذا التفويض ليصرف لنفسه 825% من الراتب، بالإضافة إلى صرفه غير المشروع لجهود مدير عام فرع أسيوط ومدير عام فرع سوهاج.

وعلى الرغم من أن أحمد فتحي، القائم بعمل مدير عام فرع سوهاج، تقدم بشكوى رسمية لـ نائب رئيس الهيئة محمد ناصف، إلا أن الرد كان مخيباً، حيث تم فقط صرف مستحقاته من بداية شهر أكتوبر الماضي، تاركين فترة ثمانية أشهر سابقة التي سرق فيها مكاوي هذه الأموال دون وجه حق وقد حصل موقع “أخبار الغد” صورة من الشكوي.

محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، هو الآخر لم يسلم من اتهامات التواطؤ والتستر على فساد مكاوي.

بدلاً من التصدي لهذه الفوضى، يبدو أن ناصف يتجاهل بشكل ممنهج كافة الشكاوى والبلاغات التي تُقدَّم ضد مكاوي، مما يدفع الهيئة نحو الانهيار ويعطي إشارة واضحة بأن الفساد هنا يحمي بعضه البعض.

فرغم تعدد المخالفات والتجاوزات، يواصل ناصف صمته العجيب، متجاهلاً الواجبات التي يفرضها عليه موقعه القيادي في الهيئة.

الفضيحة تتعمق أكثر عند النظر إلى مكاوي الذي لم يكتفِ بسرقة المال العام وإهدار موارد الدولة، بل بدأ محاولات هو وحلفائه لإثارة الفوضى وتكدير السلم العام.

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت حملة مضادة ومضللة من خلال حلفائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لتشويه الحقائق وبث الفوضى. أحد أبرز مؤيديه، علي المطيعي، نشر منشورات على صفحته الشخصية في “فيسبوك”، يدعو فيها لدعم مكاوي ويحذر من شلل تام في الأنشطة الثقافية بالكامل إذا لم يعد إلى منصبه.

ويشير هذا التصرف إلى محاولة مكشوفة للتلاعب بالمجتمع الثقافي وإرهاب العاملين به، مستغلين حالة الفوضى التي يعاني منها الإقليم.

حيث ما يروج له علي المطيعي، أحد أبرز رجال ضياء مكاوي، بشأن تجميد الأنشطة في فرع ثقافة أسيوط يعد جريمة تمس أمن الدولة وتحريضاً واضحاً من أنصار مكاوي على الإضراب عن العمل، مما يهدد استقرار السلم العام.

وبعد ثورة 25 يناير 2011، أصدر المجلس العسكري المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011، الذي يجرم الاعتداء على حرية العمل.

وفي هذا السياق، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بتاريخ 18 أبريل 2015، قراراً بمحاسبة كل من قاموا بالإضراب. وفي حكم آخر، قضت المحكمة مؤخراً بفصل عدد من موظفي مجلس الدولة فصلاً نهائياً بسبب مشاركتهم في الإضراب.

ورغم أن القانون يعاقب بشدة على مثل هذه التصرفات، وفقاً للمادة 188 من قانون العقوبات التي تعاقب بالسجن والغرامة كل من ينشر أخباراً كاذبة تهدف إلى تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس، إلا أن الهيئة العامة لقصور الثقافة لم تتخذ أي إجراء ضد هذه الحملة التخريبية.

هذا الفساد المستشري في الهيئة العامة لقصور الثقافة لا يمكن اعتباره مجرد تسيب إداري أو خلل مالي بسيط، بل هو جزء من شبكة معقدة من التجاوزات التي تنخر في جسد الثقافة المصرية.

الهيئة التي من المفترض أن تكون منارة للثقافة والفكر في مصر أصبحت اليوم مرتعاً للفساد والمحسوبية، تحكمها عصابات الفساد التي تتستر على بعضها البعض، وسط صمت مريب من وزارة الثقافة التي تكتفي بمراقبة الأمور دون تدخل جاد.

إذا كانت وزارة الثقافة عاجزة عن مواجهة هذا الفساد، وإذا كانت الهيئة العامة لقصور الثقافة قد تحولت إلى عزبة خاصة يديرها الفاسدون والمفسدون كما يشاؤون، فإلى أين يتجه مصير الثقافة في مصر؟

استمرار هذا الوضع الكارثي دون تدخل حاسم سيؤدي لا محالة إلى انهيار كامل للثقافة المصرية، وسيفقد المثقفون والمبدعون الثقة في المؤسسات الثقافية التي من المفترض أن تدعمهم وتوفر لهم بيئة حاضنة للإبداع.

ما يحدث في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وبالتحديد في إقليم وسط الصعيد، هو انعكاس صارخ لحالة انهيار تام في منظومة المحاسبة والشفافية. ضياء مكاوي، رغم كل ما ارتكبه من مخالفات، لا يزال يتمتع بنفوذ قوي يدعمه بعض المسؤولين الذين يبدو أنهم مستفيدون من حالة الفوضى هذه.

وكذلك ما يحدث الآن في إقليم وسط الصعيد الثقافي هو جريمة مكتملة الأركان في حق الثقافة والمجتمع، ولا بد من وقفة جادة لمحاسبة الفاسدين، والسماح لهم بالعودة إلى مناصبهم بعد كل هذه الفضائح، يمثل جريمة في حق الثقافة والمجتمع.

وزارة الثقافة، التي يجب أن تكون الحارس الأمين على هذه المؤسسات، لم تتخذ أي إجراءات جادة لحماية المال العام أو مواجهة هذا الفساد الواضح. عوضًا عن ذلك، يبدو أن هناك تساهلاً مستمرًا مع الفاسدين، مما يعمق الإحساس بالإفلات من العقاب ويشجع المزيد من التجاوزات.

في ظل هذا الوضع الكارثي، تبقى الأسئلة قائمة: من يحاسب ضياء مكاوي وأمثاله؟ وهل سيظل الوسط الثقافي رهينة لهذه الممارسات البشعة؟ واستعادة الهيبة والمصداقية لهذه المؤسسات التي طالما كانت حصناً للفكر والثقافة في مصر.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى