في قلب الصراعات السياسية المعقدة، يقبع وباء أكثر خطورة من الانقلابات والثورات، وهو وباء المنافقين. هؤلاء المتسللون إلى دهاليز السلطة ليسوا مجرد متملقين، بل هم مهندسو الانهيار المؤسسي الصامت.
جذور الظاهرة تمتد عميقًا في التركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمعات العربية. فالثقافة السائدة التي تقدس الحاكم وتحظر النقد، تخلق بيئة خصبة لنمو جيل كامل من المنافقين المحترفين. المنافقة الثقافية تتأصل في التنشئة الاجتماعية، وتكرس ثقافة الصمت والخضوع، وتجعل المديح والتملق مهارة يتم تعليمها للأجيال.
وعلى مستوى المؤسسات، تتحول إلى منظومة متكاملة تخلق شبكة مصالح معقدة تقتل روح الإبداع والنقد البناء. أما على المستوى السياسي، فهي أداة للتستر على الفساد، ووسيلة لتجميل الواقع المر، ومنصة للتسلق الاجتماعي. الخطورة القصوى تكمن في قدرة المنافقين على خلق عزلة معلوماتية حول القادة، حيث يصبح الحاكم أسير وهم النجاح، بعيدًا عن الواقع المرير.
للتغيير، علينا تعزيز ثقافة النقد البناء من خلال تشريع قوانين تحمي حرية التعبير، وتأسيس منصات للنقاش الموضوعي، وتكريم المبدعين والمفكرين النقديين. كما يجب إصلاح التربية والتعليم بغرس قيم المواطنة الفعالة، وتعليم النقد المنهجي، وتشجيع التفكير النقدي منذ سن مبكرة.
من الضروري أيضًا وضع آليات محاسبة واضحة، تشمل معايير دقيقة لتقييم الأداء، وكسر منظومة المحسوبية، وخلق بيئة مهنية شفافة. والتمكين المدني يكون من خلال دعم المجتمع المدني، وتفعيل دور المؤسسات الرقابية، وحماية الصحفيين والمثقفين. الخلاصة أن التغيير يبدأ برفض ثقافة المجاملة، وتبني روح النقد البناء والمسؤولية المشتركة. فهل نحن مستعدون لهذه المواجهة الشجاعة مع أنفسنا؟