تستمر معاناة المصريين في ظل ارتفاعات غير مبررة لأسعار الخدمات الحكومية في مختلف المجالات، وآخرها أسعار الحج التي شهدت زيادة شديدة هذا العام، ما يعكس التواطؤ بين مؤسسات الدولة وغياب الرقابة الحكومية الفعالة.
في قفزة هائلة بالمقارنة مع العام الماضي، قفزت أسعار الحج الحكومي للمستوى الأول إلى 450 ألف جنيه بعد أن كانت 297 ألف جنيه في العام السابق، لتكشف هذه الزيادة المفرطة عن حجم الاستغلال والفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة التي يُفترض بها أن تعمل لخدمة المواطن البسيط.
وعلى الرغم من تكرار العبارات الفارغة حول أهمية الشفافية والمساواة في الحصول على الخدمات الأساسية، إلا أن وزارة التضامن الاجتماعي أظهرت مدى تقاعسها في تقديم أي حلول عملية أو تخفيضات حقيقية على أسعار الحج للمواطنين، بل إنها في الواقع تسهم في تعميق الأزمة من خلال تحميل المواطنين المزيد من الأعباء المالية.
الوزارة التي يفترض بها تنظيم الأمور بشكل منظم وعادل، بادرت هذا العام بإجراء القرعة الإلكترونية لاختيار الحجاج من خلال البوابة الموحدة للحج، حيث تم اختيار 12 ألف حاج فقط من بين 41 ألف مواطن سجلوا بياناتهم.
وهنا يظهر جليًا تناقض آخر حيث أن حجم التسجيلات يتجاوز بكثير الحصة التي تم تخصيصها، ما يعني أن العديد من المواطنين الذين قدّموا طلباتهم لم يتمكنوا من الحصول على فرصة الحج هذا العام.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تلاعب مستمر في تحديد عدد الحجاج الذين يتم اختيارهم على أساس غير موضوعي أو شفاف، حيث إن اختيار النسبة المخصصة لكل محافظة كان وفقًا لعدد الطلبات، ولكن دون أي تفسير حقيقي للآلية المعتمدة في هذا الاختيار أو توضيح المعايير التي تم اتباعها.
أما فيما يتعلق بأسعار الحج نفسها، فإن الزيادة في أسعار مستويات الحج هذا العام تعتبر غير مبررة بالمرة. فقد تم تحديد أسعار المستوى الثاني بمبلغ 268 ألف جنيه بزيادة تصل إلى 100 ألف جنيه عن العام الماضي، في حين تم تحديد سعر المستوى الثالث بمبلغ 240 ألف جنيه، وهو ما يزيد 89 ألف جنيه عن العام الماضي. فهل يعقل أن يتم تحميل المواطن المصري الذي يعاني من أزمة اقتصادية كبيرة المزيد من الأعباء المالية؟
إن ما يثير الاستغراب أكثر هو التناقض في التصريحات الرسمية، حيث تحدث المسؤولون عن تخصيص أسعار بطاقات الطيران للأنواع المختلفة من الحج في وقت لاحق. ما يعني أن المواطنين لا يعرفون حتى الآن التكلفة الفعلية التي سيتحملونها في هذه الخدمة الأساسية.
وأما الحديث عن استخدام مطار المدينة المنورة في الرحلات ذهابًا وإيابًا، فإن هذا لم يكن إلا محاولة للتغطية على فشل وزارة التضامن في تنظيم الرحلات بشكل فعال وبتكلفة معقولة، خاصة أن هذه الإجراءات تعني بالضرورة زيادة أخرى في تكاليف الحج التي يتحملها المواطن البسيط.
من جهة أخرى، فإن الشروط التي وضعتها الوزارة للمتقدمين لم تخلُ من الجدل والانتقادات. إذ حددت الوزارة شرطًا أساسيًا بأن يكون المتقدم قد أتم سن الخامسة والعشرين من عمره، وهو شرط يبدو أنه يستثني الكثير من الشباب الذين كانوا يرغبون في أداء فريضة الحج هذا العام،
كما أن استبعاد فئات أخرى من المرضى وأصحاب الحالات الصحية الصعبة كالسيدات الحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة من التقدم لهذه الخدمة، على الرغم من كونه إجراء وقائيًا، يعكس غياب أي تيسيرات حقيقية للمواطنين الذين هم في أمس الحاجة لمساعدات الدولة في أداء هذه الفريضة.
لكن الأكثر استفزازًا في هذا كله هو التغاضي عن المشكلات الحقيقية التي تواجه الحجاج المصريين في السنوات الأخيرة، ومنها تدهور مستوى الخدمة في الفنادق، حيث يتم تحديد أماكن الإقامة في فنادق لا تليق بالمستوى المطلوب لراحة الحجاج.
كما أن تصريحات المسؤولين حول تحديد أماكن الإقامة في فنادق خمسة نجوم أو على مسافات 750 مترًا أو 1400 متر من الحرم هي مجرد أرقام غير واقعية لا تعكس حقيقة الوضع، إذ أن هناك العديد من الشكاوى التي تتحدث عن سوء مستوى الخدمات في هذه الفنادق وعدم توافر التسهيلات المناسبة للحجاج.
إن هذه الزيادات الفاحشة في أسعار الحج، والتي تتعارض تمامًا مع واقع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطن المصري، ليست إلا نتيجة واضحة للفشل الذريع في سياسة الحكومة المصرية في تنظيم هذه الخدمة الأساسية.
ما يحدث في موسم الحج هذا العام هو بمثابة وصمة عار على جبين كل المسؤولين الذين يمعنون في استغلال المواطنين دون أي اعتبار لكرامتهم أو لظروفهم المعيشية.
إن ما يحدث في تنظيم موسم الحج ليس فقط فشلًا في إدارة هذه الخدمة، بل هو فساد صريح يهدف إلى تحميل المواطن المصري المزيد من التكاليف الباهظة التي لا مبرر لها، في حين أن الحكومة تواصل تجاهل مطالب الناس وتوقع عليهم المزيد من الأعباء المالية.
إن هذا النظام الذي يتيح للمسؤولين الاستفادة من حج المواطن يعد بمثابة جريمة ترتكب بحق الناس، بينما يتسابق المسؤولون على إثراء أنفسهم على حساب معاناة الملايين من المواطنين.