تقاريرثقافة وفنون

فساد الهيئة العامة لقصور الثقافة بإقليم شرق الدلتا يكشف الاستيلاء علي المال العام

تتفاقم وقائع الفساد في إقليم شرق الدلتا الثقافي، لتكشف عن حجم التدهور الحاصل داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة. حيث جرت سلسلة من التجاوزات المالية المشينة تمثل خيانة صريحة للمسؤولية الملقاة على عاتق الجهات المعنية بالمحافظة على المال العام.

وفي صمت حكومي مريب وغياب للمحاسبة، يتم استنزاف الموارد المخصصة للأنشطة الثقافية والمسرحية في هذا الإقليم بلا رقابة حقيقية أو أي محاسبة صارمة.

بدأت القصة عندما ظهرت شكاوى متعددة من أفراد في الساحة المسرحية، تفيد بوجود تجاوزات مالية في صرف الأموال المخصصة للديكور، وكذلك في لجان التحكيم التي كان من المفترض أن تشرف على تلك الأنشطة الثقافية.

وقد كانت تلك الشكاوى تحمل دلائل قوية على الفساد المتفشي، لكنها للأسف قوبلت بتقاعس واضح من الجهة المسؤولة. وعندما تم تكليف إحدى عضوات التفتيش بفحص تلك المخالفات، بدأت خيوط القضية تتكشف شيئًا فشيئًا لتظهر مدى الفساد العميق الذي يستشري في هذا القطاع الحيوي.

تمكنت العضوة المكلفة بعملية الفحص من كشف عدد كبير من المخالفات المالية التي تدور حول التلاعب في المصروفات المخصصة للديكور الخاص بالمسارح وكذلك التجاوزات في لجان التحكيم.

وكان من الواضح أن تلك المخالفات لا يمكن أن تتم إلا بمساعدة أفراد من داخل الهيئة نفسها، مما يعكس مدى التعاون الفاسد بين عدة أطراف بهدف سرقة المال العام تحت مظلة الفساد الإداري.

ما يزيد من خطورة هذه القضية هو التواطؤ الواضح الذي تم من قبل بعض المسؤولين في الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث قاموا بالتستر على المخالفات بدلاً من التحقيق فيها بشكل جاد واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المتورطين.

وعلى الرغم من إحالة الملف إلى الجهة المعنية بالنظر في هذه التجاوزات، إلا أن الصدمة كانت في تقاعس الجهات العليا عن اتخاذ أي خطوة نحو تحقيق العدالة.

ما يكشف بوضوح عن الطبيعة المدمرة لهذا الفساد هو تدخل جهات نافذة للضغط على المفتشة لتغيير تقريرها أو على الأقل تجاهل المخالفات المالية التي تم اكتشافها.

فقد تم إرسال أحد المسؤولين من الهيئة لمحاولة التأثير عليها وتغيير مسار التحقيقات، لكن بفضل إصرارها على التمسك بالحق، تم كشف هذه المحاولات الفاشلة للتستر على الفساد.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فهناك شخصية أخرى استغلت نفوذها داخل الهيئة للتستر على الفساد بشكل أكبر. حيث استخدمت هذه الشخصية مواقعها الحساسة لإبقاء المخالفات طي الكتمان، بل واستمرت في تهديد قيادات الهيئة بعدم اتخاذ أي إجراء ضد المتورطين.

بل تمادى الأمر ليصل إلى حد التهديد باستخدام أسماء نافذة لتبرير التستر على الفساد، مما يعكس مدى تواطؤ أطراف متعددة في هذه القضية.

ولم يكتف هذا المسؤول بمحاولات الضغط فقط، بل استمر في إرسال فرق تفتيش إلى الأقاليم الثقافية، على الرغم من وجود فرق تفتيش قائمة بالفعل، مما يعني أن الهدف الأساسي من هذه التحركات هو تسهيل عمليات سرقة المال العام، في إطار منظومة فاسدة تمتد جذورها عميقاً في الهيئة العامة لقصور الثقافة.

هذه الوقائع ليست سوى قمة الجليد لما يحدث في هذا القطاع المهم، فالتواطؤ بين بعض القيادات داخل الهيئة والجهات المعنية يكشف عن شبكة فساد مترابطة تسعى لتعطيل أي جهود لمكافحة الفساد المالي والإداري.

وإذا استمر هذا الوضع دون تدخل جاد من الجهات العليا، فإن المال العام سيظل عرضة للنهب والإهدار بشكل مستمر، مما سيؤثر بشكل كبير على الأنشطة الثقافية والمسرحية التي من المفترض أن تخدم المجتمع.

هذه القضية التي فجرتها إحدى المفتشات الشجاعة تؤكد أن الفساد داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة لا يزال مستشرياً، بل ويزداد قوة يومًا بعد يوم.

ما يطرح تساؤلات ملحة حول مدى فعالية الجهات الرقابية في مواجهة هذا التحدي الخطير، ومدى استعداد الهيئة نفسها لتحمل المسؤولية والاعتراف بفشلها في مكافحة الفساد.

السكوت على مثل هذه المخالفات يعكس حالة من الاستهتار بالمال العام، ويوحي بأن هناك إرادة خفية لمنع كشف الحقائق وحماية المصالح الشخصية على حساب الصالح العام.

وإذا كانت الهيئة العامة لقصور الثقافة تغلق أعينها عن هذه المخالفات الصارخة في إقليم واحد، فما الذي يحدث في بقية الأقاليم؟ وهل هناك من يجرؤ على الوقوف في وجه هذه الممارسات الفاسدة؟

وتبقى قضية إقليم شرق الدلتا الثقافي شاهداً حياً على عجز الجهات المعنية في مواجهة الفساد المنتشر داخل مؤسسات الدولة. الأمر يتطلب تدخلاً سريعاً وجاداً من الجهات المختصة لمحاربة هذه الممارسات وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.

وهذه الأوضاع تستوجب مراجعة شاملة لكل ما يجري داخل الهيئة، من أجل وقف نزيف المال العام وضمان أن تعود الأنشطة الثقافية إلى دورها الحقيقي في خدمة المجتمع، بدلاً من أن تكون غطاءً لتلك الشبكات الفاسدة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى