فساد عماد فتحي يهدر ملايين ويعطل صرف مستحقات 100 موظف بجنوب الصعيد
في ظل غياب الرقابة الفاعلة وتخاذل وزارة الثقافة، يتكشف يوماً بعد يوم حجم الفساد الذي ينهش في جسد إقليم جنوب الصعيد الثقافي، وخاصة في عهد عماد فتحي مدبولي رئيس الإقليم.
بينما يتشدق هذا الأخير بإنجازاته المزعومة ويتحدث كثيراً عن أعمال لا وجود لها على أرض الواقع، فإن الأفعال لا توازي الأقوال، ولا يتحقق أي تقدم ملموس.
الحقيقة المؤلمة تجلت أمام نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الذي اكتشف بنفسه أن حديث عماد فتحي عن الإنجازات مجرد كلمات جوفاء لا تستند إلى أي عمل حقيقي. الإقليم يتهاوى تحت وطأة الفساد وسوء الإدارة، وكل ذلك يضع تساؤلات حول دور وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة في مواجهة هذه التجاوزات.
نهر الفساد يجري بلا انقطاع
الإقليم بات عُرضة لفساد متزايد، يتزعمه هشام العمارى، مدير إدارة الحمامات، الذي تحول إلى اليد اليمنى لعماد فتحي مدبولي. هشام العمارى يتحكم في كل شيء، ويتدخل بشكل مستمر في عمل جميع الإدارات، متجاهلاً أي قيود أو ضوابط.
هذا النفوذ المتزايد يرجع، وفقاً للحكمة الشعبية “أطعم الفم تستحي العين”، إلى علاقة مصالح مشتركة بين العمارى ومدبولي. هشام لا يتوانى عن استغلال موقعه للحصول على منفعة مادية شخصية، مستفيداً من المقاولين المكلفين بأعمال الصيانة في المواقع التابعة لفرع ثقافة الأقصر.
هؤلاء المقاولون لا يتم اختيارهم وفق معايير الشفافية أو الكفاءة، بل بناءً على مصالح هشام العمارى الشخصية، وهو الذي يتفاخر بشكل مستمر بأنه هو من يقوم بتأمين احتياجات مكتب رئيس الإقليم وضيوفه من البن والسكر والشاي.
الأموال التي تُصرف على هذه “العزومات” لا تأتي من جيوب المسؤولين، بل تُستخرج من جيوب المقاولين والمتعاقدين الذين يدفعون ثمن تسيير أعمالهم بالإقليم.
هذه الممارسات تجعل الحديث عن إصلاح أو تطوير في الإقليم يبدو أقرب إلى السراب، حيث يتم تغطية العجز المالي عبر صفقات مريبة بدلًا من تحسين الخدمات الثقافية المقدمة للمواطنين.
العمالة المتردية وساعات العمل المخجلة
وفي وسط هذا المشهد المأساوي، يعاني الموظفون في الإقليم من انعدام الكفاءة وضعف الحضور، حيث لا يحضر الموظفون للعمل سوى يوم بعد يوم، ولمدة لا تتجاوز ساعتين في كل مرة.
يبدأ العمل عند العاشرة صباحاً، وينتهي عند الثانية عشرة ظهراً، ولا يتم الحضور يومياً، مما أدى إلى تعطيل العمل بشكل كبير وتأخير صرف مستحقات المحاضرين والعاملين.
وعلى الرغم من أن عماد فتحي مدبولي يتحدث كثيراً عن نقص عدد العاملين بمقر الإقليم، إلا أن الواقع يظهر أن بعض الموظفين العاملين في مدينة الأقصر يُهربرون من العمل في مواقع تبعد عن محل إقامتهم بعشرات الكيلومترات، مثل مدينتي أرمنت والطود.
وفي هذه المواقع النائية، يُكلف هؤلاء الموظفون بالحضور للعمل يوم واحد فقط أسبوعياً، مما يعمق من أزمة الحضور والغياب.
إهمال متعمد وغياب تام للمحاسبة
الحديث عن تقاعس وزارة الثقافة وعدم تدخلها لوقف هذا النزيف المستمر يدفع إلى التساؤل حول الدور الذي تلعبه الوزارة في حماية المؤسسات الثقافية من الانهيار.
هل تتحمل الوزارة المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع الكارثي؟ أم أن الهيئة العامة لقصور الثقافة هي المسؤولة عن إدارة هذا الإقليم بطرق تتسم بالفوضى والإهمال؟
لا يمكن إنكار أن الوزارة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية لتقاعسها عن متابعة الأداء وإصلاح ما يمكن إصلاحه. فالوضع في إقليم جنوب الصعيد الثقافي أصبح مريراً لدرجة يصعب تجاهلها أو الصمت عنها.
ولا يقتصر الأمر على مجرد سوء إدارة أو تقصير في العمل، بل إن الأمر يتعلق بفساد مالي وإداري متأصل. العمارى ومدبولي هما وجهان لعملة واحدة، عملة فساد تُدار بصفقات مشبوهة وتُنفذ عبر استغلال الموظفين والمقاولين. وفي ظل غياب الرقابة والمحاسبة، يستمر هؤلاء في تسيير أعمالهم دون خشية من أي عواقب.
نتائج كارثية على الإقليم
الفساد المستشري لم يتوقف عند هشام العمارى وعماد فتحي مدبولي، بل تعدى ليشمل قطاعات عديدة في الإقليم. الفساد المالي لم يؤدِ فقط إلى استنزاف موارد الإقليم، بل تسبب أيضاً في تعطيل المشروعات الثقافية وتأخير صرف مستحقات العاملين، مما أدى إلى إحباط لدى الموظفين وزيادة معدلات التسيب والإهمال.
هذا التراخي الإداري انعكس سلباً على جودة الخدمات الثقافية التي يُفترض أن تقدم للمواطنين في جنوب الصعيد، حيث تحولت المؤسسات الثقافية إلى واجهات فارغة بلا فاعلية حقيقية.
في ظل هذه الظروف المزرية، يبقى التساؤل مفتوحاً حول متى سيتم التدخل لوقف هذا النزيف؟ متى ستتحرك الوزارة والهيئة العامة لقصور الثقافة لإنقاذ ما تبقى من هذه المؤسسات؟ التغيير لن يأتي إلا بإجراءات جذرية وحاسمة لمكافحة الفساد المستشري والإهمال الذي يعاني منه الإقليم.