في ظل استمرار الصراعات الإقليمية وانعدام الاستقرار، أقدمت إسرائيل على خطوة تصعيدية جديدة في الجولان السوري المحتل، بتوسيع وجودها العسكري وصولًا إلى مدينة القنيطرة وفرض سيطرتها على المنطقة العازلة التي تخضع لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 تحت إشراف قوات الأمم المتحدة. هذه الخطوة تُعتبر انتهاكًا جسيمًا للقوانين الدولية والاتفاقيات التي تحكم النزاعات المسلحة، وتمثل محاولة إسرائيلية متجددة لفرض سيادتها على أراضٍ محتلة بذرائع أمنية واهية، تهدف إلى تغيير الوضع الديمغرافي والجغرافي للجولان، متجاوزة بذلك كل الخطوط الحمراء التي يفرضها القانون الدولي.
هذا التوسع الإسرائيلي، المتمثل في السيطرة على المنطقة العازلة وتكثيف النشاط الاستيطاني في الجولان، ليس مجرد تحرك عسكري، بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى فرض أمر واقع على الأرض. رغم الإدانة الدولية التي أعقبت إعلان إسرائيل ضم الجولان عام 1981، فإن السياسات الإسرائيلية ظلت تركز على تطبيع الاحتلال وفرض السيادة الفعلية على المنطقة، مستغلة الانشغال العالمي بأزمات أخرى.
المخالفات القانونية الناتجة عن التوسع الإسرائيلي
- انتهاك اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974: التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة يمثل خرقًا مباشرًا لهذه الاتفاقية التي تُعتبر أساس وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. الاتفاقية تنص على وضع المنطقة العازلة تحت إشراف قوات الأمم المتحدة (الأندوف)، مما يجعل أي وجود عسكري إسرائيلي فيها غير قانوني.
- تعدٍ على سيادة سوريا: وفق ميثاق الأمم المتحدة، لا يجوز لأي دولة احتلال أراضي دولة أخرى بالقوة. المادة 2(4) من الميثاق تحظر صراحة استخدام القوة أو التهديد بها لانتزاع أراضٍ أو تغيير حدود. الاحتلال الإسرائيلي للجولان، بما في ذلك المنطقة العازلة والقنيطرة، ينتهك هذا النص.
- انتهاك اتفاقية جنيف الرابعة: الاستيطان الإسرائيلي يُعد خرقًا صارخًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر على دولة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. كما أن التوسع الاستيطاني يتعارض مع المادة 53 التي تحظر تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها إلا للضرورة العسكرية المؤقتة.
- جريمة ضم الأراضي بالقوة: إعلان إسرائيل لضم الجولان عام 1981 كان مخالفًا تمامًا للقانون الدولي، واعتبره مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 497 “لاغيًا وباطلًا”. هذه المحاولة لفرض السيادة على أراضٍ محتلة تمثل جريمة دولية لأنها تتعارض مع مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
- التغيير الديموغرافي القسري: السياسات الإسرائيلية في الجولان تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة عبر تهجير السكان السوريين الأصليين واستبدالهم بالمستوطنين الإسرائيليين. هذه الممارسات تصنف كجريمة تطهير عرقي وفقًا للقانون الدولي، وهي أيضًا انتهاك لحق السكان الأصليين في تقرير مصيرهم.
التحركات القانونية المطلوبة لوقف الاحتلال والاستيطان رغم تعقيد الوضع السياسي والقانوني، هناك العديد من الأدوات القانونية المتاحة التي يمكن استخدامها لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في الجولان.
- تفعيل قرارات الأمم المتحدة: سوريا وداعموها يجب أن يعملوا على تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، الذي أكد على بطلان ضم الجولان. يمكن استخدام الجمعية العامة للأمم المتحدة كمنصة للضغط على إسرائيل، خاصة عبر قرار “الاتحاد من أجل السلام” الذي يسمح للجمعية باتخاذ إجراءات جماعية عندما يعجز مجلس الأمن عن التصرف بسبب الفيتو.
- اللجوء إلى محكمة العدل الدولية (ICJ): يمكن لسوريا طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن قانونية الاحتلال الإسرائيلي للجولان وتوسيع الاستيطان فيه. هذه الخطوة، على غرار قضية الجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد تسهم في تأكيد عدم شرعية التصرفات الإسرائيلية وتوفير أساس قانوني قوي لمحاسبتها.
- اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC): نظرًا لأن نقل السكان المدنيين لدولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة يُعد جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمكن لسوريا تقديم شكاوى ضد المسؤولين الإسرائيليين الذين يقفون وراء سياسات الاستيطان في الجولان.
- تصعيد الدعاوى أمام المحاكم الوطنية والدولية: العديد من الدول تتيح للمحاكم الوطنية لديها النظر في القضايا التي تتعلق بجرائم الحرب. يمكن لسوريا أو المنظمات الحقوقية رفع دعاوى أمام هذه المحاكم ضد الشركات أو الأفراد المتورطين في مشاريع استيطانية بالجولان.
- استخدام الآليات الأممية الخاصة بحقوق الإنسان: يمكن تقديم شكاوى إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واللجان الخاصة باتفاقيات حقوق الإنسان، مثل لجنة القضاء على التمييز العنصري، لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية في الجولان وتسليط الضوء عليها عالميًا.
- المقاطعة والعقوبات الدولية: دعم حملة المقاطعة الدولية لإسرائيل (BDS) يمكن أن يكون وسيلة فعالة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء سياساتها الاستيطانية. العقوبات الاقتصادية، خاصة على الشركات التي تعمل في المستوطنات، ستكون وسيلة مباشرة لتقويض المشاريع الاستيطانية.
دور المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل
عدم محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها يشجعها على مواصلة سياساتها التوسعية، مما يشكل تهديدًا للنظام الدولي القائم على القانون. يجب أن تتحمل الدول الكبرى مسؤوليتها في فرض التزامات القانون الدولي، والضغط على إسرائيل للتراجع عن خطواتها العدائية.
كما أن التوسع الاستيطاني في الجولان يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، مما يوجب على مجلس الأمن الدولي التدخل بحزم لفرض تدابير عقابية على إسرائيل. في حال فشل مجلس الأمن، يمكن للجمعية العامة التصرف من خلال اعتماد تدابير جماعية.
المسؤولية الإعلامية والدبلوماسية
إلى جانب الإجراءات القانونية، يجب أن تواصل سوريا وداعموها العمل على فضح الممارسات الإسرائيلية في الجولان عبر وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية. حملات التوعية الدولية يمكن أن تسهم في حشد الدعم العالمي لمواجهة الاحتلال والاستيطان.
كما يمكن العمل على بناء تحالفات دبلوماسية مع الدول التي ترفض السياسات الإسرائيلية، مثل دول حركة عدم الانحياز والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، لتعزيز الضغط السياسي على إسرائيل.
ختامًا: الجولان سيبقى سوريًا
ما يجري في الجولان ليس مجرد نزاع محلي، بل هو اختبار لمدى احترام العالم للمبادئ الأساسية للقانون الدولي. استمرار إسرائيل في سياساتها التوسعية يعكس غياب الردع الدولي الفعال، ولكنه لا يغير حقيقة أن الجولان أرض سورية محتلة.
النضال لاستعادة الجولان، سواء عبر التحركات القانونية أو الدبلوماسية أو الشعبية، يجب أن يبقى مستمرًا. القضية ليست فقط دفاعًا عن حقوق السوريين، بل هي معركة للحفاظ على النظام الدولي ومبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
مهما طال الزمن، سيظل الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي، وستبقى الجهود قائمة لاستعادة الجولان إلى حضن سوريا، وفقًا للشرعية الدولية والقانون الذي يُفترض أنه يحكم العلاقات بين الدول.