تقاريرمصر

الحكومة المصرية تقترض 7.4 مليار يورو وسط فساد وتجاهل أزمات الاقتصاد المتفاقمة

وافق البرلمان المصري على قرض جديد بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي تحت دعوى دعم الاقتصاد والمشاريع الطاقوية وإدارة الهجرة والاقتصاد الأخضر ودعم الاحتياطي النقدي إلا أن هذا القرض الجديد يأتي كمرحلة أولى ضمن اتفاق أكبر تم الإعلان عنه في وقت سابق في مارس الماضي حيث يتضمن اتفاق الشراكة المبرم بين مصر والاتحاد الأوروبي تمويلات ضخمة تصل إلى 7.4 مليار يورو تنقسم بين استثمارات ومنح وقروض ويشمل القرض 5 مليارات يورو تسلم على مراحل للحكومة المصرية.

ومن غير المفاجئ أن يستمر البرلمان في الموافقة على مثل هذه القروض دون أي محاولة جدية من الحكومة لإيجاد حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية الراهنة التي تعصف بالبلاد بدلاً من الاعتماد المستمر على الاقتراض الخارجي في وقت يشهد الاقتصاد المصري أزمة خانقة على مختلف الأصعدة ولا يبدو أن الحكومة بصدد تقديم أي بدائل حقيقية لتجاوز الأزمة بل على العكس من ذلك فهي مستمرة في تحميل الأجيال القادمة المزيد من الديون التي تتراكم دون أي رؤية واضحة لكيفية سدادها.

في الجلسة العامة التي عقدت اليوم أكد ممثل البرلمان أن الاتفاقية الأخيرة تعد استكمالاً لاتفاقية سابقة كان قد وافق عليها المجلس وأنها تأتي ضمن حزمة تمويلية من الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاقتصاد المصري وتحقيق أهداف التنمية المستدامة إلا أن هذه الادعاءات تبدو جوفاء في ظل الواقع الحالي حيث يتفاقم الفساد الحكومي وتزداد نسبة البطالة وترتفع الأسعار دون وجود أي تحسن ملموس في أوضاع المواطنين.

وعلى صعيد آخر وافق البرلمان في نفس الجلسة على اتفاقية إطارية أخرى لتمويل استيراد القمح من الإمارات بموجب قرض جديد يمنح من مكتب أبوظبي للصادرات ويهدف إلى تمويل توريد القمح إلى هيئة السلع التموينية المصرية في ظل العجز المستمر في تلبية احتياجات البلاد الأساسية من السلع الغذائية الأساسية واستمرار أزمة القمح وارتفاع أسعاره.

الجدير بالذكر أن الاتفاقية التي وافق عليها البرلمان اليوم تشترط على هيئة السلع التموينية سداد كامل القرض سنوياً وفوائده كل ستة أشهر كما حددت مدة السداد بخمس سنوات تبدأ من أول سحب من التمويل إلا أن هذه الشروط تضع المزيد من الأعباء المالية على كاهل الهيئة التي تعاني أساساً من مشاكل مالية متعددة وتدفقات نقدية غير مستقرة.

يذكر أن شركة الظاهرة وهي شركة عالمية متخصصة في الزراعة ومقرها أبوظبي قد أبرمت العام الماضي اتفاقية مع مكتب أبوظبي للصادرات لتزويد مصر بالقمح على مدار خمس سنوات ابتداء من عام 2023 مما يطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة المصرية على تأمين احتياجاتها الأساسية دون الاعتماد المستمر على القروض الخارجية.

وأثناء الجلسة وجه أحد نواب البرلمان انتقادات لاذعة للحكومة بسبب استمرارها في توسيع دائرة الاقتراض مشيراً إلى أن الدين الخارجي للبلاد تجاوز 165 مليار دولار وأن الحكومة تعتمد فقط على الاقتراض لسد عجز الموازنة وتساءل النائب بمرارة “هل توقف عقل الحكومة عن إيجاد حلول أخرى غير الاقتراض؟” وأكد على ضرورة حضور رئيس الوزراء لتوضيح خطة الحكومة في التعامل مع الدين الخارجي المتزايد دون حلول اقتصادية حقيقية.

لكن وزير المالية حاول الدفاع عن موقف الحكومة متحدثاً عن أن القرض يأتي ضمن حزمة تمويلية متنوعة تشمل منحاً وتمويلات ميسرة بالإضافة إلى تمويل الموازنة على مدى زمني للقيام بإصلاحات اقتصادية مزعومة مضيفاً أن هذه التمويلات تأتي من شريك استراتيجي بهدف جذب استثمارات جديدة إلا أن هذا التبرير لا يبدو مقنعاً للمواطنين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة تزداد سوءاً يوماً بعد يوم بينما تستمر الحكومة في التوسع في الاقتراض دون نتائج ملموسة.

التقاعس الحكومي في معالجة الأزمات الاقتصادية الحالية لم يعد سراً ولا يمكن إخفاءه خلف وعود وهمية بمشاريع مستقبلية غير مضمونة النجاح في ظل الفساد المستشري في مختلف قطاعات الدولة وغياب الشفافية والمساءلة من جانب المسؤولين حيث يتواصل هدر المال العام على مشاريع لا تعود بالفائدة على المواطن العادي بل تخدم مصالح فئات محدودة من رجال الأعمال والسياسيين.

إن اعتماد الحكومة المستمر على القروض لتمويل الاحتياجات الأساسية مثل استيراد القمح بدلاً من تطوير القطاعات الإنتاجية المحلية يظهر بوضوح ضعف التخطيط الاستراتيجي وسوء الإدارة الاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى حالة من الاعتماد التام على التمويلات الخارجية وتركز السلطة في أيدي قلة تستفيد من الوضع الراهن بينما يغرق المواطنون في دوامة من الفقر والغلاء.

وبدلاً من تقديم حلول اقتصادية جذرية تركز على تعزيز الإنتاج المحلي ومحاربة الفساد وتحسين إدارة الموارد تفضل الحكومة الحل الأسهل والأسرع وهو الاقتراض دون النظر إلى العواقب الطويلة الأجل التي ستؤدي إلى إرهاق الاقتصاد الوطني بمزيد من الديون التي ستثقل كاهل الأجيال القادمة وتدفع بالبلاد نحو المزيد من التبعية الاقتصادية والسياسية للمؤسسات الدولية والدول المانحة.

الوضع الحالي يتطلب إجراءات عاجلة ومراجعة جذرية لسياسات الحكومة الاقتصادية والمالية التي تسببت في تفاقم الأزمات المتعددة التي تواجه البلاد لكن لا يبدو أن الحكومة على استعداد لتحمل مسؤولياتها واتخاذ القرارات الصعبة التي قد تضع حداً لهذا الانهيار الاقتصادي بل تستمر في الهروب إلى الأمام بمزيد من القروض والوعود الفارغة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى