في ظل سلسلة من الإجراءات القاسية التي تتخذها الحكومة المصرية، جاء مشروع القانون الجديد الخاص بالضمان الاجتماعي ليكشف عن نية الحكومة في تضييق الخناق على الأسر الفقيرة التي تعتمد على الدعم النقدي المشروط، بهدف تقليص عدد المستفيدين من هذا البرنامج الحيوي.
الحكومة بدلاً من أن تضع سياسات حقيقية لتحسين وضع المواطنين، اختارت أن تتخذ خطوات تقشفية تهدف إلى تخفيف عبء الميزانية على حساب الفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة.
البرلمان المصري وافق على مواد قانون الضمان الاجتماعي الذي يحمل في طياته شروطاً جديدة قاسية لوقف الدعم عن الأفراد والأسر المستفيدة.
الشروط الجديدة التي ستؤدي حتماً إلى قطع الدعم عن مئات الآلاف من الأسر، تتعلق بتغير المستوى المعيشي للمستفيدين، ما يجعلهم يفقدون استحقاق الدعم وفق المعايير الجديدة التي وضعتها الحكومة.
ومن بين الحالات التي ستحرم الأسر فيها من الدعم، إذا ثبت أن البيانات التي تم تقديمها للحصول على الدعم كانت مزورة أو غير صحيحة، ما يعد وسيلة جديدة للتقليص والتمييز بين الأسر، وإن كان ذلك على حساب الحق في الدعم الذي تستحقه هذه الأسر الفقيرة.
أكثر من ذلك، فرضت الحكومة إجراءات إضافية لوقف الدعم على أساس قضايا اجتماعية لا علاقة لها بالوضع المالي للأسر. فقد أدرجت قوانين تجريم بعض العادات الاجتماعية، مثل ختان الإناث والزواج المبكر، كسبب قانوني لوقف الدعم عن الأسر.
في حين أن هذه القضايا قد تكون مجتمعية ويصعب تطبيقها في بعض المناطق التي ترتبط فيها الثقافة والتقاليد بهذه الممارسات، فإن الحكومة استخدمت هذه الأسباب لتبرير تقليص الدعم عن العديد من الأسر التي قد تعاني من فقر مدقع.
ولكن الأكثر استفزازاً هو الشرط الذي يتضمن حرمان الأسر القادرة على العمل من الدعم إذا رفضت عرض فرص العمل المقدمة من الحكومة.
فبدلاً من أن توفر الحكومة فرص العمل الحقيقية والمجزية، تم منح الفرصة لأجهزة الدولة لتحديد من يستحق الدعم ومن لا يستحق، مما يفتح المجال لانتقائية شديدة وغير عادلة في توزيع الدعم.
فكيف يمكن للأسر التي تواجه صعوبة في تأمين قوت يومها أن ترفض فرصة عمل غير موجودة أو لا تلبي احتياجاتهم المالية في ظل الظروف الحالية؟
هذه الإجراءات التي تهدف إلى تقليص أعداد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي ليست سوى خطوة جديدة من الحكومة لتبرير تقليص الإنفاق على الدعم الاجتماعي بدلاً من إيجاد حلول حقيقية للقضاء على الفقر.
على الرغم من أن الحكومة تروج لهذه السياسات على أنها تهدف إلى تحسين وضع المواطنين، إلا أن الحقيقة هي أن هذه السياسات تساهم في تعميق أزمة الفقر.
الدعم الذي تقدمه الحكومة لا يتجاوز 826 جنيهاً شهرياً للأسرة الفقيرة، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية احتياجات أساسية مثل الطعام والمواصلات.
المسنون وذوو الإعاقة يحصلون على 743 جنيهاً شهرياً، أما الأيتام فيتلقون 578 جنيهاً فقط. هذه المبالغ الضئيلة تكشف عن الفجوة الكبيرة بين ما تقدمه الحكومة وما يحتاجه المواطن في ظل ارتفاع الأسعار، ما يضع أعداداً كبيرة من الأسر في مأزق حقيقي.
وبينما يعاني أكثر من 7 ملايين أسرة من الدعم المشروط الذي تقدمه الحكومة، فإن هذه المبالغ لا تكاد تكفي لتلبية الاحتياجات اليومية للأسر، لا سيما في ظل التضخم المتسارع الذي يأكل قيمة الجنيه المصري.
فعلى الرغم من ادعاءات الحكومة بأنها تسعى لتحسين الوضع الاقتصادي، فإن تدهور قيمة العملة يشير إلى أن هذه السياسات لا تخدم سوى طبقات معينة وتزيد من معاناة الفقراء.
ومع مرور الوقت، يواجه المواطنون صعوبة في تحمل أعباء الحياة اليومية في ظل حكومة لا تقدم حلولاً واقعية لمشاكلهم.
فبدلاً من أن تتحمل الحكومة مسؤولياتها في مواجهة تفاقم الأزمات الاقتصادية، اختارت أن تزيد من الضغوط على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
إن ما تقوم به الحكومة من تقليص الدعم ليس مجرد قرار تنظيمي، بل هو خطوة نحو مزيد من الإفقار والفقر المدقع، التي لا تعكس إلا تقاعس الحكومة عن القيام بدورها في تحسين حياة المواطنين.
فبينما تواصل الحكومة البحث عن طرق لتقليص الدعم، تبقى الأسئلة دون إجابات حول مصير هؤلاء الفقراء الذين لا يجدون بديلاً سوى الاعتماد على هذا الدعم الضئيل.
هل هذه هي الطريقة المثلى لتحقيق العدالة الاجتماعية؟ وهل حكومة تضع الحواجز أمام المواطنين الفقراء هي حقاً حكومة تسعى لتحقيق التنمية؟
وتبقى تلك السياسات مؤشراً واضحاً على أن الحكومة المصرية مستمرة في اتباع نهج لا يعكس أي اهتمام حقيقي بتحسين أوضاع الفقراء.
بل على العكس، فإنها تواصل فرض المزيد من المعوقات التي تعيق وصول الدعم إلى من يحتاجه، في وقت يعاني فيه المواطن المصري من أزمات اقتصادية غير مسبوقة.