كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن «فساد عابر للقارات» في شركة «إيني» الإيطالية وتورطها في فضائح مالية متعددة، مع التركيز على رشاوى الشركة واكتشافاتها في حقول الغاز المصرية.
وفي هذا السياق يسلط موقع “أخبار الغد” الضوء على الدور المشبوه لشركة “إيني” الإيطالية في فساد عابر للقارات، سواء في الجزائر أو ليبيا أو نيجيريا، وصولًا إلى مصر حيث تبين أن اتفاقاتها مع الحكومة المصرية حول حقول الغاز والبترول كانت غير عادلة وتضمنت شبهة فساد ورشاوى.
مقدمة عن الفساد الدولي لشركة “إيني” الإيطالية:
تستمر شركة «إيني» الإيطالية في مواجهة اتهامات واسعة النطاق بالفساد منذ سنوات عدة، وذلك في دول مختلفة حول العالم. هذه الاتهامات تشمل دفع رشاوى لمسؤولين حكوميين في دول مثل الجزائر وليبيا ونيجيريا، فضلاً عن تورطها في قضايا فساد في دول أخرى مثل البرازيل، حيث كانت الشركة جزءاً من فضيحة فساد ضخمة في قطاع النفط.
رشاوى في الجزائر:
في الجزائر، ارتكب موظفو «إيني» رشوة بمقدار 197 مليون يورو (224 مليون دولار) لمسؤولين جزائريين للحصول على عقود تنقيب مع شركة “سوناطراك” الجزائرية.
وكان من بين المتورطين في الفضيحة فريد بجاوي، الذراع اليمنى لوزير الطاقة الجزائري السابق شكيب خليل، حيث تم الكشف عن أن «إيني» دفعت رشاوى لتوسيع نطاق عملها في الجزائر.
في هذا السياق، تم التحقيق مع عدد من مسؤولي شركة «سايبم» التابعة لـ«إيني»، حيث استقال المدير بيترو تالي في ديسمبر 2012 على إثر هذه الفضيحة.
رشاوى في ليبيا:
قامت «إيني» بتقديم مدفوعات غير شرعية لمسؤولين ليبيين خلال عهد معمر القذافي، ما أثار تساؤلات حول ممارسات الفساد في صفقات التنقيب عن النفط والغاز في ليبيا.
وكانت هذه المدفوعات تهدف إلى تعزيز سيطرة الشركة على امتيازات التنقيب في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تلقت الشركة الإيطالية طلبًا من لجنة الأوراق المالية والبورصات الليبية لتسليم الوثائق المتعلقة بأنشطتها في ليبيا في الفترة من 2008 إلى 2011.
رشاوى في نيجيريا:
تتعلق واحدة من أبرز فضائح «إيني» في نيجيريا بعقد شراء امتياز حقل OPL-245 النفطي، حيث تم دفع رشاوى كبيرة للحصول على العقد.
بلغت قيمة الرشاوى 533 مليون دولار، ما أدى إلى فتح تحقيقات قانونية ضد المسؤولين في «إيني»، ومن بينهم المدير التنفيذي السابق باولو سكاروني. كما طالب القضاء البريطاني بتجميد أموال مرتبطة بالرشاوى المتورط فيها مسؤولو الشركة الإيطالية.
الفساد في البرازيل:
في البرازيل، واجهت «إيني» اتهامات بالفساد في إطار صفقة للتنقيب عن الغاز مع شركة “بتروبراس”، حيث تم كشف احتياطي ضخم من الغاز في حقل مجاور لحقل تنقيب تملكه الشركة الإيطالية. وقد تم إلغاء العقد بين الطرفين بعد التحقيق في تورط شركة «سايبم» التابعة لـ«إيني» في مخطط فساد مع شركة “بتروبراس”.
الفساد في مصر و”حقل ظهر”:
أما في مصر، فكانت شركة «إيني» هي صاحبة الاكتشاف الأهم والأكبر في تاريخ التنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط من خلال اكتشاف “حقل ظهر” للغاز، الذي يقدر احتياطيه بحوالي 30 تريليون متر مكعب من الغاز.
إلا أن هذا الاكتشاف لم يكن بمثابة فوز لمصر، بل كان بمثابة ضربة اقتصادية. ففي ظل الاتفاقات المبرمة بين الحكومة المصرية و«إيني»، تبين أن مصر ستحصل على أقل من 40% من إنتاج الحقل، بينما ستحصل الشركة الإيطالية على الحصة الأكبر، مما يثير الشبهات حول وجود اتفاقات غير عادلة.
تقرير المركزي للمحاسبات:
أصدر الجهاز المركزي للمحاسبات في عام 2014 تقريرًا يوضح فساد الشراكة بين مصر والشركات الأجنبية في قطاع البترول والطاقة، حيث كشف أن الشريك الأجنبي، مثل شركة «إيني»، يتمتع بامتيازات غير عادلة، مثل إعفاءات ضريبية وتهرب من دفع الرسوم الجمركية، فضلاً عن تحمل الهيئة المصرية العامة للبترول تكلفة الضرائب نيابة عن هذه الشركات.
كما أشار التقرير إلى أن العقود المبرمة بين الحكومة والشركاء الأجانب لا تتضمن نصوصًا لتعديل الأسعار وفقًا للمتغيرات العالمية، مما يضمن للشركات الأجنبية الأرباح الاستثنائية بينما تتكبد مصر الخسائر.
الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الفساد:
التقرير أشار إلى أن هذا الفساد قد كلف مصر خسائر فادحة، وصلت إلى 32 مليار دولار بسبب العقود المجحفة التي تم توقيعها مع شركات مثل «بريتش بتروليوم» و«إيني».
في ظل هذه العقود، كان من المفترض أن تساهم الشركات الأجنبية في تطوير حقول الغاز والبترول المحلية، لكن الواقع يكشف أن مصر أصبحت أكبر مستورد للغاز في الشرق الأوسط، رغم امتلاكها لحقول غازية ضخمة.
الاستراتيجية المفقودة للطاقة في مصر:
غياب الاستراتيجية المتكاملة للطاقة في مصر فاقم من الأزمة، حيث وقعت الحكومة اتفاقات مع شركات أجنبية مثل «إيني» و«بريتش بتروليوم» كان لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني.
فقد دفعت الحكومة المصرية ثمن هذه الاتفاقات بتراكم الديون المستحقة للشركات الأجنبية، ما أدى إلى تهديدات من هذه الشركات بتوقف التنقيب إذا لم تحصل على مستحقاتها.
من خلال سلسلة من الفضائح في دول عدة، يبدو أن شركة «إيني» الإيطالية قد استفادت بشكل غير قانوني من ممارسات فاسدة للحصول على عقود ضخمة في دول مثل الجزائر وليبيا ونيجيريا والبرازيل، بل وحتى في مصر، حيث تتواصل الشبهات حول الاتفاقات المجحفة مع الحكومة المصرية بشأن حقل “ظهر” للغاز. هذه الفضائح تكشف عن عمق الفساد في قطاع الطاقة في العالم، وأثره المدمر على اقتصادات الدول النامية التي تفتقر إلى رقابة فعالة وقوانين شفافة تحمي مصالحها.