تقاريرثقافة وفنون

استيلاء على المال العام في عزبة عماد فتحي مدبولي رئيس إقليم جنوب الثقافي

في واحدة من أفظع الوقائع التي تكشف عن مدى الفساد المتغلغل في أروقة الهيئة العامة لقصور الثقافة، وتدفع القلوب للاشمئزاز لما وصل إليه الحال من سرقة للمال العام واستهتار بالمسؤوليات، يظهر عماد فتحي مدبولي، رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي، في صورة المسؤول الذي يتساهل في إهدار المال العام، ويشجع على نهب أموال الدولة بلا وازع من ضمير أو مسؤولية.

هذه الفضيحة تمتثل في القضية التي تتعلق بالموظف هشام عبد الستار أحمد، الذي كان يعمل في قصر ثقافة نجع حمادي التابع لفرع ثقافة قنا، وكان قد تم فصله عن العمل منذ أكثر من عامين، لكنه استمر في تقاضي راتبه الشهري حتى أغسطس 2024.

ليس هذا فحسب، بل إن الفضيحة تتعدى ذلك إلى أن عماد فتحي كان يعلم بذلك ويشارك في التغطية على هذا الفساد، حيث كان يتقاضى الموظف الموقوف راتبه كاملا، الذي بلغ 6500 جنيه شهرياً.

هذا المبلغ كان يصرف بشكل منتظم رغم علم الجميع بأنه لا يعمل في الهيئة منذ مدة طويلة. لكن القضية لم تكتشف إلا عندما قرر هشام عبد الستار تجديد قرض من البنك الأهلي، حيث انكشف أمره.

ورغم ذلك، فإن التحقيقات لم تفض إلى محاسبة أي من المتورطين في هذه الفضيحة، بل اقتصرت على مجرد إحالة الواقعة للتفتيش دون اتخاذ أي إجراءات حاسمة.

ويكشف هذا الحادث عن حقيقة مريرة تكمن في أن الفساد أصبح ثقافة سائدة داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة، في وقت أصبحت فيه الهيئة مرتعاً للمفسدين. ولعل أبرز المؤشرات على ذلك هو عدم محاسبة المسؤولين المقصرين أو المتورطين في هذه الفضائح.

ومن الأمثلة الأخرى على هذا التراخي في محاسبة الفاسدين هو التغطية على فساد نائب رئيس الهيئة، محمد ناصف، الذي لم يقتصر دوره على التستر على الفساد، بل ساهم في تسهيل الأمور وتغذية بيئة فساد واسعة النطاق داخل الهيئة.

ورغم أن الهيئة تحولت إلى بؤرة للفساد في ظل الإدارة الحالية، لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تم تعطيل العديد من الأنشطة الثقافية في الإقليم بسبب عدم دفع المستحقات للمحاضرين.

فبينما يقوم عماد فتحي بتسهيل سرقة المال العام، فإنه يتعمد عدم صرف مستحقات المحاضرين عن الأنشطة الثقافية التي تتم في المواقع الثقافية التابعة للإقليم، مما أدى إلى عزوف هؤلاء المحاضرين عن المشاركة في الأنشطة الثقافية.

هذا التهميش المتعمد تسبب في إغلاق العديد من المواقع الثقافية، بما في ذلك قصر ثقافة حسن فتحي في الأقصر، والذي أُغلق بسبب عدم صرف مستحقات العاملين والمشاركين في الأنشطة.

وبينما يتذرع عماد فتحي بعدم وجود الميزانية اللازمة، فإن السبب الرئيس وراء تدهور الوضع الثقافي في الإقليم هو سياسات التوزيع غير العادلة للأموال، حيث يتم إهدار المال العام على متنفذين وأشخاص غير مؤهلين.

وهذا الوضع قد أدى إلى تراجع الأنشطة الثقافية في جنوب الصعيد بشكل عام، وتحول القصور الثقافية إلى أماكن مهجورة لا تخدم أبناء المنطقة، بل فقط تخدم المصالح الشخصية للمسؤولين.

والأكثر إيلاماً هو أن هذا الفساد لا يقف عند عماد فتحي فقط، بل يمتد إلى إدارة الحمامات التابعة للإقليم، والتي يقودها هشام العمارى، الذي يعد أحد أبرز الشخصيات الملوثة بالفساد داخل الهيئة.

هشام العمارى، الذي كان يشغل منصب مدير إدارة الحمامات، عرف بين موظفي الهيئة بلقب “طبال كل العصور”، حيث كان يتعاون مع المسؤولين الفاسدين ويدفعهم نحو المزيد من التورط في فساد المال العام.

وكانت إدارة الحمامات هي إحدى البؤر التي يتم فيها تقاسم المال العام بشكل غير قانوني، حيث كان يتم تغذية شبكة الفساد في الإقليم من خلالها.

وفيما يخص عمليات نقل الموظفين الفاسدين داخل الهيئة، فقد تمت إزالة هشام العمارى من منصبه بقرار من الدكتور أحمد عواض، رئيس الهيئة الأسبق، ولكن هذا القرار لم يكن سوى خطوة شكلية لا تمثل أي تغييرات حقيقية في البنية الفاسدة للهيئة.

فعلى الرغم من انتقال العمارى إلى مكان آخر، فإن الفساد استمر في التغلغل في صفوف الهيئة، ونجح في التأثير على إدارة عماد فتحي بشكل كبير، مما جعله يتبع سياسات مفسدة لا يمكن علاجها إلا بتصفية رأس الفساد من جذوره.

من هنا، يظهر بوضوح أن الطريق الوحيد للقضاء على هذه الدوامة من الفساد داخل الهيئة العامة لقصور الثقافة هو التخلص من هشام العمارى وعماد فتحى. فالأول يعد رأس الفساد الحقيقي في إقليم جنوب الصعيد الثقافي، بينما الثاني قد رضخ لأفعال الفساد وشارك فيها.

ولا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي في الهيئة ما دام هؤلاء المسؤولين يتنعمون بأموال الشعب ويتسترون على كل جريمة من شأنها الإضرار بمصالح المواطنين.

ويجب أن يعي الجميع أن هذا الفساد لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وأن من يقومون بهذه الجرائم سيدفعون ثمنها في نهاية المطاف، وإن تأخر الحساب، حيث لا يمكن لأي شخص أن ينجو من الحساب في يومٍ ما، عندما ينقلب الحال ويصبح المال ليس له قيمة ولا بنون. لذا فإن محاسبة الفاسدين أمر لا مفر منه، ولن يكون من المقبول أن تستمر هذه الفوضى دون رادع.

ويجب أن تتكاتف الجهات الرقابية، مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، وكافة الجهات المعنية، للقيام بدورهم في التحقيق في كافة هذه الوقائع.

يجب أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد جميع المتورطين في هذه الفضيحة التي تضر بالمصلحة العامة، ويجب أن يكون هناك تحرك حازم لتطهير الهيئة من العناصر الفاسدة.

وفي حال استمرار التغاضي عن هذه الجرائم، فإن الثقافة والفنون في إقليم جنوب الصعيد ستظل رهينة الفساد والتسيب، ولن يتحقق أي تقدم حقيقي في هذا المجال.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى