في خطوة مثيرة للجدل تسعى الحكومة المصرية إلى بيع جزء من أصول الشركة المصرية للاتصالات المملوكة بنسبة 80% للمالية في عملية طرح أمام المستثمرين وبورصة الأوراق المالية خلال الربع الأول من عام 2025 وذلك بهدف تغطية أزمة مالية خانقة تواجهها الشركة نتيجة لسوء الإدارة والفشل في تحقيق استراتيجياتها التنموية
وكان هذا التفويض بمثابة اعتراف حكومي بالفشل في تطوير الشركة وفي إيجاد حلول فعّالة لمشاكلها المالية المتفاقمة، مما يعكس عجز الحكومة المصريّة عن وضع خطة واضحة لانتشال الشركة من أزمة حقيقية يعيشها القطاع الخاص والعام على حد سواء.
هذا القرار جاء بعد فشل المفاوضات مع مجموعة من البنوك المحلية للحصول على تمويل لمشروع طموح كان يهدف إلى تطوير الشركة وتجهيزها لتقديم خدمات الجيل الخامس 5G والتحول الرقمي بما يساهم في تحسين البنية التحتية للاتصالات والمساهمة في الاقتصاد الرقمي، إلا أن تلك المفاوضات انتهت إلى طريق مسدود بسبب عدم وجود خطة مالية مدروسة وافتقار الشركة إلى القدرة على إدارة مواردها بصورة سليمة ومع مرور الوقت تزايدت ديون الشركة بشكل غير مسبوق.
ويعد هذا الطرح جزءاً من عمليات مشابهة قامت بها الحكومة في وقت سابق حيث قامت بطرح ما يعادل 9.5% من أصول الشركة للبيع في عام 2023 لمواجهة العجز الذي كانت تعاني منه،
وفي تلك الفترة كانت الأزمة المالية قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الشركة نتيجة لإخفاقات استراتيجية وعدم القدرة على التكيف مع تغيرات السوق التكنولوجي والاقتصادي العالمي.
فيما يتعلق بمفاوضات الحكومة مع الشركات الكبرى في السوق، يأتي هذا التوجه متزامناً مع محاولة استئناف المفاوضات مع الاتصالات السعودية لبيع حصتها في شركة “فودافون مصر” وهي المفاوضات التي توقفت منذ عام 2020 وكان هذا الأمر يمثل حجر الزاوية في استراتيجية الحكومة للتخلص من أعباء مالية ضخمة كان يجب أن تحل بالاعتماد على القدرة الذاتية بدلاً من بيع الأصول الحيوية في القطاع العام.
ومع هذا التقاعس الحكومي ما زالت الشركة المصرية للاتصالات تتفاوض مع الجانب السعودي على استئناف العرض الأصلي لبيع حصتها في فودافون مصر التي تقدر بنحو 2.39 مليار دولار وكان من المفترض أن تكون هذه الحصة جزءاً من خطة إعادة الهيكلة طويلة الأمد لكن الحكومات المتعاقبة على الشركة أهملت تلك الخطة ولم تكن هناك أي متابعة حقيقية لإنجازها.
من اللافت أن الحكومة المصرية لم تكتفِ ببيع جزء من أصول شركة الاتصالات الوطنية بل استمرت في عمليات الطرح لتغطية العجز المتزايد في الميزانية العامة، ولعل ما يثير القلق أكثر هو أن هذا التوجه يعكس غياب الإرادة الحقيقية في مواجهة الفساد الإداري والمالي في القطاع العام، بل تضافر جهود الحكومة مع شركات خاصة لتحقيق مصالح ضيقة على حساب الأصول العامة التي يجب أن تحميها الدولة.
الأرقام التي تتحدث عنها الحكومة بشأن عملية طرح الأصول وبيع حصص في شركات استراتيجية تؤكد بوضوح أن الحكومة تتجه إلى بيع الأصول الثمينة بهدف سد الفجوة المالية الناشئة عن سوء الإدارة المالية والاقتصادية حيث تشير المصادر إلى أن عملية بيع 9.5% من أصول الشركة عام 2023 كانت تهدف إلى جمع 3.75 مليارات جنيه في حين أن عملية طرح الأصول الجديدة في 2025 ستستهدف جمع عوائد مالية أخرى، لكن المعضلة تكمن في أن هذا التوجه لم يقدم حلاً جذرياً لمشاكل الشركة الأساسية بل يفاقمها بصورة أكبر.
وهذا يدق ناقوس الخطر حول مستقبل القطاع العام في مصر والقطاع الاستثماري الذي يعاني من غياب الرؤية الاستراتيجية، كما يطرح تساؤلات كبيرة حول مدى جدوى عمليات الخصخصة وبيع الأصول التي تقوم بها الحكومة في إطار محاولاتها المتواصلة لتخفيف العجز المالي، في وقت تعاني فيه البلاد من تدهور كبير في العديد من القطاعات الأساسية، بما في ذلك قطاعات الصحة والتعليم والنقل العام.
إن ما يثير الريبة هو الطريقة التي تتم بها إدارة الأزمات المالية، حيث إن الحكومة بدلاً من اتخاذ خطوات جادة لمعالجة الأزمة المالية من خلال إصلاح هيكلي شامل وتحقيق تكامل بين المؤسسات الحكومية تواصل اللجوء إلى الحلول السطحية والمجردة من أي خطة استراتيجية واضحة، مما يؤدي إلى تقليص حجم الأصول الوطنية وبيعها للمستثمرين بأسعار زهيدة.
هذه السياسة المالية ليست سوى نموذج آخر على الإهمال المستمر والتقاعس الحكومي في اتخاذ خطوات حقيقية للتعامل مع مشاكل البلاد الاقتصادية، والنتيجة أن المواطنين المصريين سيجدون أنفسهم أمام تحديات أكبر في المستقبل مع تزايد اعتماد الحكومة على بيع أصول الدولة التي قد تكون ذات قيمة استراتيجية لتطور البلاد.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها الشركة المصرية للاتصالات فإن الحكومة لم تبذل جهدًا حقيقيًا لتطوير آليات عملها داخليًا أو تقديم دعم حقيقي لها في وقت كانت بحاجة فيه إلى تدخل حاسم، بدلاً من اتخاذ قرارات متسرعة تضع مستقبل الشركة في مهب الريح.