بدأت شركة إعمار الإماراتية في شتاء عام 2020، تنفيذ مشروع ضخم على الساحل الشمالي للبحر المتوسط بمصر، حيث شرعت في بناء ميناء دولي لليخوت تحت اسم “مراسي مارينا ونادي اليخوت”.
المشروع الذي بلغت تكاليفه نحو 24.2 مليار جنيه مصري “783.2 مليون دولار” استهدف تحويل هذه المنطقة إلى وجهة سياحية فاخرة لليخوت، مستحوذًا على مساحة تتجاوز 1.16 مليون متر مربع.
ومع ذلك، ما كان يُفترض أن يكون مشروعًا سياحيًا ناجحًا أصبح كارثة بيئية تكشف عن فساد وتواطؤ الحكومة المصرية التي وقفت عاجزة أمام هذه الانتهاكات.
على الرغم من أن هذا المشروع الضخم يتطلب الالتزام بالعديد من القوانين البيئية، أبرزها المادة 91 من قانون وزارة الموارد المائية والري رقم 147، التي تحظر تعديل المسار الطبيعي للشواطئ سواء بالاتجاه نحو البحر أو بعيدًا عنه،
فإن شركة إعمار قد تجاهلت كل هذه القوانين وبدأت في بناء رصيف ضخم داخل البحر المتوسط، ما أدى إلى تآكل شديد لشواطئ المناطق المجاورة، وظهور طبقة صخرية على الشواطئ الشرقية لميناء مراسي.
ورغم اعتراضات سكان القرى السياحية المجاورة، مثل قرية الدبلوماسيين، لم تجد هذه الشكاوى أي آذان صاغية من السلطات.
لقد بدأ سكان هذه القرى في إرسال استغاثات عاجلة إلى الحكومة مطالبين بوقف الاعتداءات على شواطئهم، لكن الاستجابة كانت معدومة.
ورغم أن هذه التعديات كانت واضحة منذ البداية، ورغم أن التقارير الجغرافية كشفت عن تآكل الشواطئ بمسافات تتراوح بين 8 و11 مترًا في بعض الأماكن، استمر المشروع في العمل بلا رقابة أو محاسبة.
لم تتوقف الحكومة المصرية عن السماح لشركة إعمار بالاستمرار في العمل، بل تبين أن الحكومة لم تلتزم بالقانون الذي يلزم بإيقاف العمل في حال حدوث تعديات على الشواطئ وإعادة الوضع إلى ما كان عليه على نفقة المخالف.
الغريب أن الحكومة المصرية اكتفت بتصريحات غير فعّالة في 2022، حيث أعلنت وزارة البيئة عن تشكيل لجنة لمتابعة الآثار السلبية للمشروع، لكنها لم تتخذ أي خطوات فعلية لوقف التدمير البيئي الذي أحدثته شركة إعمار.
أضف إلى ذلك أن الوزارة اكتفت بالقول إن “الصخور التي ظهرت على الشاطئ هي نتيجة لتغذية الشواطئ برمال تحتوي على نسبة جير”، في تبرير هزيل يعكس عجزها عن حماية البيئة.
وبدلاً من تطبيق القوانين المنصوص عليها في المادة 89 من نفس القانون والتي تقضي بوقف العمل وإزالة التعديات فورًا، تفرج الحكومة عن المخالفات بشكل مريب.
ومع تصاعد الأزمة البيئية في المنطقة، بدأت وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي تتناول هذا الملف، لتصبح القضية شائكة ومعروفة لدى الرأي العام.
في وقت كانت فيه الحكومة تلتزم الصمت، كان سكان القرى السياحية المجاورة يضطرون إلى وضع أكياس من الرمال على الشواطئ كمصدات للأمواج لتقليل أثر التآكل الذي طال شواطئهم.
إن ما يحدث في الساحل الشمالي يفضح التقاعس الحكومي ويكشف عن العلاقة المشبوهة بين بعض المسؤولين في الحكومة وشركات أجنبية مثل شركة إعمار التي استغلت غياب الرقابة الحكومية لتنفيذ مشروعها دون اعتبار لأي مصلحة وطنية أو بيئية.
وعندما بدأت الأزمة تتفاقم، حاولت الشركة التنصل من مسؤوليتها، معلنة أنها نفذت مشروعًا لمعالجة نحر الشواطئ بتكلفة 2.2 مليون دولار، وهو ادعاء لا يعكس الواقع.
حيث لم تلتزم الشركة بما نص عليه قانون الموارد المائية رقم 147 في مصر، الذي يشترط إعادة الشاطئ إلى حالته الأصلية في حال حدوث أي تعديات. بدلاً من ذلك، أصبحت الشواطئ أكثر تدهورًا.
لقد تكشف الأرقام عن حجم الكارثة البيئية التي تسببت فيها شركة إعمار، حيث تكشف الدراسات البيئية أن تآكل السواحل يكلف مصر ما يقرب من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويًا.
وأظهرت تقارير نشرتها منظمة “نشرة إنتربرايز” أن الشواطئ المصرية فقدت نحو 0.1 متر سنويًا من الشاطئ بين عامي 1984 و2014، ما يهدد القطاعات الحيوية مثل السياحة وصيد الأسماك التي تعتمد بشكل أساسي على الشواطئ السليمة.
ومما يزيد الطين بلة هو أن الحكومة المصرية لا تعير أي اهتمام لهذه الأضرار المتزايدة، في الوقت الذي تسعى فيه لإغراء الشركات الأجنبية باستثمارات ضخمة دون ضمان حماية البيئة.
ووفقًا لبيانات شركة إعمار، فإن الشركة تعتزم زيادة استثماراتها في مصر إلى 10 مليارات دولار في 2024، وهو ما يثير تساؤلات حول تواطؤ الحكومة في غض الطرف عن هذه الانتهاكات البيئية مقابل تحقيق مزيد من الأرباح في مشاريع عقارية جديدة.
لقد حاولت الحكومة التغطية على هذه الانتهاكات من خلال تسهيل الأمور لشركة إعمار، فبعد أزمة تآكل الشواطئ في خليج سيدي عبد الرحمن،
قررت الشركة التبرع بمبلغ 206 ملايين جنيه مصري (6.6 مليون دولار) لصندوق “تحيا مصر”، وهو تبرع يبدو وكأنه محاولة لشراء صمت الحكومة والشعب المصري عن الأضرار البيئية التي تسببت فيها الشركة.
وبدلاً من تطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين، اكتفى الإعلام الحكومي والصحافة بالتغاضي عن الكارثة البيئية التي ضربت الساحل الشمالي.
في الختام، إن هذه القضية تكشف عن مستوى الفشل الحكومي في حماية البيئة المصرية من التدهور، وتفضح تواطؤ الحكومة مع الشركات الأجنبية على حساب مصالح المواطنين،
كما تؤكد أن أولويات الحكومة لا تتعلق بالبيئة أو الحفاظ على الشواطئ، بل بالمال والمصالح الضيقة، ما يهدد مستقبل مصر البيئي والسياحي على المدى الطويل.