إن قطاع الكهرباء في مصر يعيش حالة من الفوضى الإدارية والمالية التي تعكس حجم الفساد المستشري في جميع مفاصله، بدءًا من وزارات الدولة وصولًا إلى الشركات التابعة.
هذا القطاع الحيوي الذي يجب أن يكون أساسًا لتحقيق التنمية الاقتصادية والتطور الوطني، أصبح مرتعًا للفساد وغياب الرقابة، في ظل تقاعس الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر.
وفي هذا السياق، موقع “أخبار الغد” يستعرض تفاصيل عدة وقائع تكشف عن حجم التواطؤ والفساد الذي يغرق فيه القطاع، بالإضافة إلى الأرقام والأسماء التي تساهم في تدمير هذا القطاع الحيوي.
تخصيص أرض الكينج مريوط: فساد مالي وإهدار للمال العام
في حادثة تكشف عن الفشل الإداري والتقصير التام من قبل الجهات المعنية، تم إلغاء تخصيص أرض مساحتها 20 فدانًا بمنطقة الكينج مريوط لصالح الجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بقطاع الكهرباء في الإسكندرية، وذلك بعد مرور 32 عامًا على تخصيصها دون أن يتم استغلالها أو بناء أي مشروعات عليها.
كانت هذه الأرض قد خصصت في عام 1988 من قبل الجهات المعنية، وكان من المفترض أن يتم إقامة مشروعات سكنية عليها لخدمة العاملين في قطاع الكهرباء، إلا أن الإهمال والتقاعس أدي إلى عدم الاستفادة منها طوال هذه السنوات الطويلة.
مما دفع المجلس التنفيذي لمحافظة الإسكندرية إلى إلغاء تخصيص الأرض، معتبرًا ذلك إهدارًا للمال العام. هذه الواقعة تفضح التقاعس الكبير من قبل الجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بقطاع الكهرباء، وكذلك من قبل الجهات الحكومية المحلية التي كانت مطالبة بمتابعة واستغلال هذه الأراضي.
مشروع “لايت سيتي”: فساد وتمريرة لأوامر مباشرة
في حادثة أخرى تؤكد استمرار الفساد في قطاع الكهرباء، تم توقيع عقد إنشاء مشروع “لايت سيتي” بالعاصمة الإدارية الجديدة بين وزارة الإنتاج الحربي وشركة الإنتاج الحربي للمشروعات.
هذا المشروع السكني التجاري يقع في الحي الثامن بالعاصمة الإدارية الجديدة على مساحة 17.42 فدان. ورغم أنه من المفترض أن يكون هذا المشروع لصالح تحسين ظروف السكن في مصر، إلا أن توقيع العقد كان عبر أوامر مباشرة دون إجراء مناقصات علنية أو شفافة.
المشروع الذي يُفترض أن يُقدم خدمات سكنية وتجارية للعديد من المواطنين، يثير التساؤلات حول السبب وراء منح مثل هذه المشروعات عبر أوامر مباشرة، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من صعوبة في الحصول على وحدات سكنية بأسعار معقولة.
مشروعات “حدائق أكتوبر” وتسهيلات شراء الوحدات: فساد المحسوبية
على الرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها معظم العاملين في قطاع الكهرباء، تأتي مبادرة الجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بهيئة كهرباء مصر بمنح تخفيضات لشراء وحدات سكنية في مشروع “حدائق أكتوبر” بأول طريق الواحات.
ورغم أن هذه التسهيلات كانت موجهة إلى موظفي الكهرباء وأسرهم، إلا أن التساؤلات تثار حول أحقية هؤلاء الموظفين في الحصول على تلك التسهيلات، خاصة في ظل الأسعار المرتفعة للوحدات السكنية، التي يصل سعر الوحدة ذات المساحة 140 مترًا إلى 632,000 جنيه بعد التخفيض، بينما يصل سعر الوحدة 150 مترًا إلى 674,000 جنيه، والوحدة 160 مترًا إلى 716,000 جنيه.
هذه الأسعار تطرح العديد من الأسئلة حول قدرة الموظف العادي في قطاع الكهرباء أو أسرته على شراء وحدات سكنية بتلك الأسعار المبالغ فيها. كما أن العديد من الوحدات السكنية في المشروع يتم اختيارها من قبل كبار المسؤولين في الشركة القابضة لكهرباء مصر وشركاتها التابعة، مما يفتح المجال للفساد والمحسوبية.
رشوة بـ 2.4 مليون جنيه: فضيحة فساد في الكهرباء
تصل فضائح الفساد في قطاع الكهرباء إلى مستوى خطير للغاية، حيث تم الكشف عن حالة فساد قام فيها المحاسب محمد يحي، رئيس قطاع المشتريات والمخازن بشركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء، بالحصول على فيلا سكنية في مدينة 6 أكتوبر بقيمة 2.4 مليون جنيه، وذلك كرشوة من مالكي شركة خاصة تعمل في مجال التجارة والاستيراد والتصدير.
هذه الرشوة كانت مقابل تسهيل عملية مناقصة توريد فلاتر لمحطة توليد كهرباء بني سويف بنحو 4 ملايين يورو. واللافت في هذا الحادث أن المحاسب محمد يحي قد أضر بالمنافسة العادلة بين المتقدمين للمناقصة، وهو ما يبرز حجم التواطؤ الذي يسود في قطاع الكهرباء.
من خلال هذه الرشوة، تم التلاعب بالعملية التنافسية، مما أثر على الأسعار والعروض المالية والفنية للمناقصة، وبالتالي أدى إلى إهدار المال العام.
غياب الرقابة وحماية الفساد
التساؤلات التي تطرح نفسها في هذا السياق تتعلق بدور الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر في مكافحة هذا الفساد المستشري.
فقد أصدر العديد من المسؤولين في هذه الجهات تصريحات عن محاربة الفساد، لكن النتائج على أرض الواقع تثبت عكس ذلك تمامًا.
لجان مكافحة الفساد تبدو وكأنها مجرد “ضجيج” لا يصحبه أي فعل حقيقي. على الرغم من وجود العديد من الملفات الشائكة التي تحتاج إلى التحقيق والمحاسبة، إلا أن تلك الملفات تُدفن عادة تحت غطاء من التواطؤ أو الفشل الإداري.
تتراكم الأدلة على فساد غير مسبوق في قطاع الكهرباء، ولا تزال الحكومة المصرية تتجاهل هذه الوقائع. من الواضح أن جميع الإجراءات التي يتم اتخاذها تأتي على حساب المال العام، والمواطنين العاديين الذين يعانون من الأزمات الاقتصادية المتعددة.
ولا تزال الأسئلة تدور حول جدوى الرقابة ومصداقية الجهود الحكومية في محاربة الفساد داخل هذا القطاع، في وقت تتنقل فيه قضايا الفساد بين الإدارات المختلفة دون أي محاسبة حقيقية.
إن حجم الفساد في قطاع الكهرباء في مصر يكشف عن إهدار للمال العام بطريقة منظمة، ويضع الحكومة أمام تحدٍ حقيقي في كيفية محاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال.
بينما يواصل الفساد الانتشار، وتزداد تعقيداته داخل الوزارات والشركات الحكومية، فإن الأمل في إصلاح هذا القطاع يصبح أكثر بعدًا.