الفساد في إقليم جنوب الصعيد الثقافي بلغ مستوى غير مسبوق، حيث أصبحت الهيئة العامة لقصور الثقافة بؤرة من الفساد المالي والإداري الذي يسيطر عليه عماد فتحي مدبولي، رئيس الإقليم، بمساعدة محاسبيه وأعوانه.
لقد تجاوز هذا الفساد الحدود المقبولة، حيث تستغل السلطة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام والمصلحة العامة، في ظل تقاعس وزارة الثقافة عن التدخل والوقوف بحزم أمام هذه التجاوزات.
أحد أبرز مظاهر هذا الفساد هو إقامة “تاندة” للسيارات في قصر ثقافة الأقصر، الذي يضم مقر إقليم جنوب الصعيد، بتكلفة مبالغ فيها تصل إلى 250 ألف جنيه، وذلك باستخدام مواد بسيطة من الساج ومواسير حديد.
والغريب أن الفنيين المختصين أكدوا أن التكلفة الحقيقية لهذا المشروع لا تتجاوز 70 ألف جنيه. ولكن، كما هو واضح، تم الاستيلاء على الفارق الكبير بين المبلغين من قبل عماد فتحي والمحاسبين المقربين منه، في عملية سرقة علنية للمال العام.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل يمتد إلى صيانة قصر بهاء طاهر، حيث تعاقد عماد فتحي مع مديرية إسكان الأقصر لتولي عملية الصيانة، والتي أسندت بدورها إلى مقاول خاص بمبلغ قدره 600 ألف جنيه.
إلا أن هذه الأموال لم تُصرف كلها على الصيانة، بل اتفق رئيس الإقليم مع المقاول على القيام بترميم الحمام فقط باستخدام خامات رديئة الجودة، فيما تم تقسيم الأموال المتبقية بينه وبين المقاول، ليتمكنوا من تحقيق مكاسب مالية غير شرعية على حساب الجودة والمال العام.
ومن أمثلة الفساد الأخرى في إقليم جنوب الصعيد الثقافي، التعاقد مع إحدي شركات النقل لنقل الفرق الفنية الى كافة المحافظات و الضيوف داخل المحافظة وهذه الشركة ليس لديها أي حافلات أو سيارات، وتم التعاقد بمبالغ مبالغ فيها تتجاوز كل المعايير.
تمكن صاحب الشركة “ر.”، من دخول المنافسة وتقديم عروض أسعار من شركات أخرى عبر علاقاته وتوجيهات عماد فتحي، ليضمن لنفسه الحصول على الصفقة وربحها الفاحش. أما الفائدة، فقد تم توزيعها على جميع المعنيين من المسؤولين والموظفين المقربين.
مما يدل على حجم الفساد المستشري في هذا الإقليم، رفض مندوب المالية في إقليم جنوب الصعيد توقيع معظم المستندات الخاصة بعماد فتحي، نظرًا لتجاوزاتها المالية الواضحة.
ولم يقف المندوب عند هذا الحد، بل قدم طلبًا رسميًا إلى المديرية المالية لنقله من هذا الإقليم بعد أن بات غير قادر على تحمل الفساد المستمر.
وبالفعل، تم إخلاء طرفه يوم الأربعاء الماضي، بعد أن أعيته المحاولات لمكافحة الفساد الذي تفشى بشكل لم يعد يحتمل.
ومن الجدير بالذكر أن التعامل مع مديرية الإسكان يعتبر غطاءً فقط يستخدمه عماد فتحي للتغطية على استيلائه على المال العام، إذ يدير الأمور من خلف الكواليس بالتعاون المباشر مع المقاول لتسهيل التجاوزات المالية.
وبدلاً من أن تكون مديرية الإسكان جهة رقابية، أصبحت أداة في يده لتنفيذ مشاريعه المشبوهة التي تدر عليه وعلى أعوانه مبالغ طائلة.
ولا يتوقف فساد عماد فتحي عند حدود قصر ثقافة الأقصر أو قصر بهاء طاهر، بل يمتد ليشمل التعاقدات في فروع أخرى من إقليم جنوب الصعيد مثل قنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر.
جميع هذه الفروع شهدت عمليات مشبوهة مشابهة في التعاقدات والصيانة، تم فيها استغلال السلطة والتلاعب بالمناقصات لضمان مكاسب شخصية للمتورطين في هذا الفساد.
يشاع بين موظفي الإقليم أن هناك مطالبات بضرورة تشكيل لجان تحقيق مستقلة من وزارة الثقافة نفسها وليس من الهيئة العامة لقصور الثقافة، للتحقيق في كل من عملية تركيب “التندات” في قصر ثقافة الأقصر وصيانة حمام قصر بهاء طاهر، وكذلك التعاقدات التي أبرمت في فروع الإقليم المذكورة، والتي تمت جميعها تحت إشراف مباشر من عماد فتحي وزبانيته.
يطالب هؤلاء الموظفون بلجان لا تنخدع بالأوراق المستوفاة ظاهريًا، ولا تغتر بأن العمليات تمت بالتنسيق مع مديرية الإسكان، لأن الحقيقة هي أن الهيئة الثقافية نفسها كانت هي الجهة التي استلمت الأعمال المشبوهة، وليس مديرية الإسكان.
السكوت على هذا الفساد واللامبالاة من جانب وزارة الثقافة باتت أمورًا غير مقبولة. يجب أن تتحرك الوزارة فورًا للتحقيق في هذه التجاوزات الصارخة، التي لا تسيء فقط للثقافة في إقليم جنوب الصعيد، بل تسيء لكل العاملين في وزارة الثقافة الذين يتطلعون إلى أداء مهامهم بأمانة وشرف.
هذا الفساد يجب أن يتوقف، ويجب محاسبة كل من استغل موقعه لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المال العام والمصلحة العامة.
إن الفساد الذي ينخر في إقليم جنوب الصعيد الثقافي يتطلب وقفة حازمة، وضرورة التدخل السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يتفاقم الوضع ويخرج عن السيطرة.