ما زال مسلسل الفساد والمحسوبية والمجاملات مستمراً داخل أروقة الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء، حيث يختلط الفساد بالبيروقراطية ليؤدي إلى تقاعس كبير في معالجة قضايا هامة تتعلق بالكفاءة والنزاهة.
الملاحظ أن هناك تلاعباً متعمداً في اختيار القيادات والكوادر من خلال مجاملات لا تمت للكفاءة بصلة. هذه المجاملات تتم بشكل مستمر في مواقع عديدة داخل الشركات التابعة لقطاع الكهرباء، ويظل المواطن المصري وحده من يدفع ثمن هذا الفساد المستشري.
تحت إدارة رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، الدكتور محمد إسماعيل، لم تعد معايير الاختيار والجدارة للوظائف القيادية في القطاع تخضع للمهارات والكفاءات المهنية كما ينص القانون.
بل تم استبدالها بسياسات المحسوبية والمجاملات التي تجعل من أصحاب الحظوة هم أول من يتم ترقيتهم وتعيينهم في المناصب القيادية. في تقريرنا هذا نكشف عن بعض الوقائع التي تظهر حجم الفساد الإداري الذي ينخر في هذا القطاع الحيوي.
ترقية مشرف مطبخ إلى مدير عام
أحد أبرز الأمثلة على الفساد في الشركة القابضة لكهرباء مصر هو قضية مشرف المطبخ في مستشفى الكهرباء الذي تمت ترقيته إلى منصب مدير عام مكتب رئيس مجلس الإدارة.
هذا الشخص الذي كان يشرف على المطبخ في المستشفى أصبح فجأة صاحب منصب رفيع في أحد المكاتب القيادية بالشركة.
وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يسلط الضوء على الفشل الكبير في تحديد معايير اختيار الموظفين الذين يشغلون المناصب القيادية بناءً على الكفاءة والقدرة المهنية، حيث يتم تجاوز هذه المعايير في معظم الأحيان لصالح المجاملات.
مدير عام الفندقة بعقد خيالي رغم التهديدات بالغلق
الحالة الأخرى المثيرة للدهشة هي تعيين سيدة، تعمل في عمر فوق الستين، كمدير عام للفندقة داخل مستشفى الكهرباء.
حيث تم اختراع منصب جديد لهذه السيدة تحت مسمى “مدير عام الفندقة”، رغم أنها لم تكن قد تمتع بالكفاءة اللازمة لهذا المنصب.
وتعهدت الشركة بتعاقد معها براتب شهري قدره 90 ألف جنيه شاملة البدلات رغم أن مستشفى الكهرباء كانت مهددة بالاغلاق من قبل وزارة الصحة بسبب مخالفات جسيمة.
وفي هذا السياق، نتساءل كيف يتم تعيين هذه السيدة بهذا الراتب الكبير في وقت تهدد فيه التقارير الرسمية المستشفى بالإغلاق بسبب تلك المخالفات.
القانون ٥ لسنة ١٩٩١ وفساد التعيينات
القانون رقم 5 لسنة 1991 ولائحته التنفيذية المعدلة بالقرار رقم 781 لسنة 2010 يتيح لرؤساء الشركات الكبرى اختيار القيادات بناءً على معايير واضحة، ولكن الواقع يشير إلى أن هذه المعايير باتت تقتصر على أبعاد خارج دائرة المحسوبية.
فمعظم من يتم اختيارهم لا يمتلكون المؤهلات والكفاءات المطلوبة، بل كل ما يملكونه هو علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع دوائر السلطة، وهو ما يعكس حجم التردي الإداري الذي أصاب هذا القطاع. فما هو مقياس الكفاءة إذا كان هناك تفضيل لأشخاص لا يمتلكون أدنى المؤهلات للوظائف التي يشغلونها؟
الفساد في الأجهزة الطبية والمعدات المتهالكة
أحد أبرز مظاهر الفساد في مستشفى الكهرباء هو الإهمال في صيانة المعدات الطبية. ففي وقت يشهد فيه القطاع الصحي في مصر تدهوراً كبيراً، نرى أن مستشفى الكهرباء يعاني من نقص حاد في الأجهزة الطبية التي تعرضت للتلف بسبب الإهمال المستمر.
ورغم وجود مليارات الجنيهات التي يتم صرفها على قطاع الكهرباء، إلا أن المستشفى لا يتلقى أي دعم كافٍ لتحسين حالة الأجهزة الطبية أو تجديد الأسِرّة والكراسي المتهالكة التي لا تصلح للاستخدام. هذا التهميش تجاه الأجهزة الطبية يعد من أخطر أشكال الفساد، خاصة أن هذه المعدات تتعلق بحياة المواطنين.
الفشل الحكومي في معالجة الأزمات
إدارة الشركة القابضة لكهرباء مصر ووزارة الكهرباء في مصر تظاهرت لفترة طويلة بأنها قادرة على معالجة القضايا الخدمية والإدارية التي تطرأ في القطاع، إلا أن الوقائع تشير إلى أن الفشل كان دائماً هو السمة الغالبة في التعامل مع هذه الأزمات.
فوزارة الكهرباء والحكومة المصرية لم تتحرك بشكل جاد لحل القضايا التي تخص المحاسبة على الفساد الإداري أو حتى استبدال القيادات الفاسدة.
كما أن الغياب التام للرقابة والمحاسبة على التصرفات الخاطئة لرؤساء الشركات التابعة كان أحد الأسباب الرئيسية في تفشي هذه الظاهرة.
إهدار المال العام في ظل غياب المساءلة
في ظل حالة الفوضى هذه، يمكننا أن نرى أن الأموال العامة يتم إهدارها بشكل فاضح داخل المستشفى والشركات التابعة للشركة القابضة.
فالتقارير الصادرة عن وزارة الصحة أظهرت أن هناك مخالفات إدارية ومالية عديدة تم تمريرها على مر السنين، بما في ذلك هدر ملايين الجنيهات في صيانة المعدات الطبية وصرف رواتب خيالية للأشخاص الذين لا يستحقون تلك المناصب. ورغم هذه المخالفات الفادحة، لا توجد مساءلة أو عقاب للمسؤولين عن هذا الفساد.
الفشل في محاسبة الفاسدين
على الرغم من وجود العديد من التقارير التي تشير إلى سوء إدارة المحاسبة في الشركة القابضة لقطاع الكهرباء، فإن الحكومة ووزارة الكهرباء تقاعست عن اتخاذ أي إجراءات قانونية أو إدارية حيال الفاسدين.
بل على العكس، يتم الاستمرار في تقديم المكافآت للقيادات الفاسدة، بينما يظل المواطن البسيط هو الضحية الوحيدة لهذا الفساد.
إذا كان الهدف من هذه المؤسسات هو تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، فإنه من المؤكد أن الفساد في هذه القطاعات يعد من أكبر التحديات التي تواجه الشعب المصري.
ليس فقط بسبب المحسوبية والمجاملات التي تصنع قيادات ضعيفة أو غير مؤهلة، بل بسبب غياب المساءلة الفعلية عن الأخطاء التي يتم ارتكابها. الحكومة المصرية ووزارة الكهرباء والشركة القابضة لكهرباء مصر هم المسؤولون عن هذا الفشل الإداري الذي يعد وباءً يفتك بمقدرات البلاد.
إصلاح هذا الوضع يتطلب تغييراً جذرياً في سياسات اختيار القيادات وتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة في هذه المؤسسات، خاصة في القطاع الطبي. لكن مع استمرار هذه الممارسات الفاسدة، يبدو أن الأمل في تحسن الأوضاع بات بعيداً.