قمع الحريات في مصر: هدى عبد المنعم وقضايا متتالية ومحاكمات لا تنتهي
في خطوة تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات لحقوق الإنسان التي باتت تميز المشهد السياسي في مصر اليوم، جاءت إحالة المحامية والناشطة الحقوقية هدى عبدالمنعم وأكثر من 100 آخرين إلى المحاكمة الجنائية لتمثل استمراراً صادماً لحملة القمع ضد الأصوات المستقلة والحقوقية وتوجيه اتهامات معتادة لا تعدو كونها جزءاً من ترسانة القمع السياسي التي تستخدمها السلطات في مواجهة المعارضين السلميين
فقد شملت هذه الاتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمهم بأغراضها ونشر أخبار كاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي التهم نفسها التي تم توجيهها سابقاً للمعتقلين في قضايا أخرى دون أن تقدم السلطات أدلة حقيقية تثبت صحتها أو تشير إلى تورط هؤلاء في أي أنشطة غير قانونية
الهجمة الأخيرة ليست سوى جزء من حملة أوسع تهدف إلى إسكات كل من يجرؤ على رفع صوته ضد الظلم وهي حملة بدأت منذ سنوات وتصاعدت بشكل كبير منذ الانقلاب العسكري الذي قاد النظام الحالي إلى سدة الحكم فقد تم اعتقال هدى عبد المنعم في 1 نوفمبر 2018 وتعرضت للاختفاء القسري لمدة 21 يوماً دون السماح لها بالتواصل مع محاميها أو عائلتها حيث تم احتجازها في مقر أمني بالعباسية في ظروف غامضة وهو سيناريو يتكرر باستمرار مع آلاف المعتقلين السياسيين الذين يجدون أنفسهم في دوامة لا نهاية لها من الاعتقال والتحقيقات والمحاكمات المفبركة
ما يزيد من وحشية الموقف هو أن هذه القضية ليست الأولى التي يتم فيها تدوير هدى عبد المنعم على ذمة اتهامات مماثلة فقد سبق اعتقالها في قضيتين أخريين قضت فيهما ما يقارب الخمس سنوات في السجن الاحتياطي الذي يعد في ذاته جريمة أخرى حيث يتم احتجاز النشطاء والمعارضين بدون محاكمات عادلة ولفترات طويلة يتخللها إساءة معاملة جسدية ونفسية وصحية ومن ثم إعادة تدويرهم في قضايا جديدة بمجرد اقتراب الإفراج عنهم
تأتي هذه المحاكمة الجديدة في ظل ضغوط متزايدة من قبل منظمات حقوقية دولية ومحلية تطالب بالإفراج الفوري عن هدى عبد المنعم بسبب تدهور حالتها الصحية داخل السجن وقد أصدرت حملة الحرية لهدى عبد المنعم بالاشتراك مع 19 منظمة حقوقية بياناً شديد اللهجة نددت فيه باستمرار احتجازها التعسفي وتلفيق الاتهامات المتكررة ضدها بعد انتهاء مدة الحبس الاحتياطي في القضايا السابقة معتبرة أن هذا الأمر يعد انتهاكاً صارخاً للقوانين المصرية والدولية على حد سواء وطالبت المنظمات الحكومة المصرية بالإفراج الفوري وغير المشروط عنها نظراً لتدهور وضعها الصحي بشكل خطير بسبب الظروف القاسية التي تعانيها داخل السجن وغياب الرعاية الصحية اللازمة
كما تشمل القضية علا القرضاوي نجلة الداعية الإسلامي الراحل يوسف القرضاوي التي سبق وأخلي سبيلها بعد أن قضت عدة أشهر في السجن دون أن تخضع لأي تحقيقات جادة سوى مرة واحدة فقط وهي الأخرى ضحية نظام قمعي لا يتوانى عن استهداف الشخصيات ذات الوزن الديني أو المعارضين السياسيين بلا أي مبررات قانونية حقيقية علا القرضاوي ورغم الإفراج عنها كانت وما زالت ملاحقة بتهديدات العودة إلى السجن مرة أخرى في إطار نفس السياسة التي تعتمدها السلطات المصرية لتقويض أي محاولات للمطالبة بالإصلاح السياسي أو الديني في البلاد
الهجمة المستمرة على الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر ليست مجرد انتهاك لحقوقهم الفردية بل هي مؤشر على الأزمة السياسية العميقة التي تعاني منها البلاد حيث تم تحويل القضاء إلى أداة سياسية في يد النظام الحاكم لفرض سيطرته الكاملة على المجتمع وقمع أي حركة معارضة مهما كانت سلمية أو مشروعة وقد أدت هذه السياسات إلى تدهور خطير في أوضاع حقوق الإنسان في مصر حيث أصبحت الانتهاكات الجسيمة مثل التعذيب والاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية أمراً شائعاً في كل أنحاء البلاد
في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات الدولية للإفراج عن المعتقلين السياسيين في مصر يصر النظام على تجاهل هذه النداءات ويواصل استخدام القضاء كأداة لترهيب المعارضين حتى أن العديد من المراقبين يرون أن النظام أصبح يستخدم القضايا الجنائية لتدوير المعتقلين ومنع الإفراج عنهم في الوقت المناسب وهي سياسة تظهر مدى تعنت السلطة ورفضها لأي مسار نحو الإصلاح أو التسوية السياسية
ومن هنا فإن القضية لا تتعلق بهدى عبد المنعم أو علا القرضاوي فحسب بل هي جزء من منظومة قمعية متكاملة تستهدف كل من يرفع صوته بالمعارضة أو الانتقاد في مصر من السياسيين إلى المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وأصحاب الرأي في ظل غياب شبه كامل لسيادة القانون واستغلال واضح للأجهزة الأمنية والقضائية لقمع الحريات الفردية والجماعية
المنظمات الحقوقية الدولية أكدت مراراً وتكراراً أن الأوضاع في مصر أصبحت غير قابلة للاستمرار وأن استمرار النظام في حملته القمعية سيؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية والاجتماعية ويهدد استقرار البلاد في المستقبل القريب فالاعتقالات والمحاكمات المفبركة وإن كانت تؤدي إلى إسكات الأصوات المعارضة في الوقت الراهن إلا أنها تزرع بذور الغضب والاستياء في نفوس الشعب المصري الذي يعاني منذ سنوات من القمع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي
إذا لم يتوقف النظام عن هذه السياسات القمعية ويبدأ في اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاح السياسي وفتح المجال أمام الحريات العامة فإن مصر قد تواجه مستقبلاً أكثر قتامة حيث يصبح القمع هو القاعدة الأساسية للحكم